الملك بوصلة الوطن وأمنه

mainThumb
الملك بوصلة الوطن وأمنه

29-09-2025 02:01 PM

printIcon

الأستاذ الدكتور أمجد الفاهوم

في يومٍ تتسارع فيه الوقائع وتعلو الأصوات المتنافرة، تبدو الحاجة ملحّة إلى بوصلة وطنية تُعيد ترتيب الأولويات على قاعدة الثوابت الأردنية، أمن قومي راسخ، وعدالة تُنصف الإنسان، وسلام يقوم على حلّ الدولتين. هنا يبرز الدور الملكي بوصفه قوة توجيه أخلاقية وسياسية؛ فخطاب جلالة الملك عبد الله الثاني في المناقشة العامة للدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة جدّد المعنى، لا أمنَ مستداماً في المنطقة من دون دولة فلسطينية قابلة للحياة، ولا استقرار مع سياسات الضمّ وتقويض الوضع التاريخي والقانوني للقدس والمقدسات.

إنه خطاب ليس للعواطف، بل للسياسات، يُلزم المجتمع الدولي بمعايير واضحة ويضع الأردن في موقع المُبادِر لا المُراقِب. واللحظة التي نعيشها اليوم تكشف فداحة الكارثة الإنسانية في غزة، حيث تتلاحق التقارير عن عشرات الشهداء جراء القصف واتساع رقعة العمليات، وما يرافقها من انهيار في الخدمات الصحية ونُدرة في الممرات الآمنة. هذه المعطيات لا تُقرأ أردنياً كأخبار بعيدة، بل كعامل مباشر يمسّ أمننا الوطني وحدودنا واستقرارنا الاجتماعي والاقتصادي، ويضاعف الحاجة إلى صوت سياسي حازم يدفع نحو وقف شامل لإطلاق النار ومسار سياسي جاد.

على الضفة الدبلوماسية، تتضافر الاتصالات الإقليمية والدولية لتأكيد أولوية إنهاء الحرب واستئناف المسار السياسي. ففي نيويورك، حيث الإجماع العربي الواقعي يتشكّل حول معادلة واضحة، أمن المنطقة لن يُبنى على سياسة القوة وحدها. وهنا تتقدّم الدبلوماسية الأردنية، بقوامها الملكي وذراعها الوزاري، لتثبيت هذا الإجماع وتحويله إلى ضغط منظّم يضع حياة المدنيين وأمن الإقليم في مرتبة واحدة. وفي السياق نفسه، يواصل الأردن حشد المواقف عبر منظومة التعاون الإسلامي وغيرها من المنابر، كما ظهر في مشاركة نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية أيمن الصفدي في اجتماعات تنسيقية بنيويورك، حيث جرى التأكيد على مواجهة الانتهاكات في القدس الشريف وحماية الوضع القائم في الحرم القدسي. هذه الحركة النشطة تترجم مبدأ “منع انتقال الأزمة إلى حدودنا” وتُظهر أن حماية الأمن القومي تبدأ من حماية قواعد القانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني.
لكن إدارة الأزمة لا تنفصل عن إدارة الحدود والاقتصاد. فقرار إسرائيلي بإغلاق جسر الملك حسين لفترات غير محددة متى تكرر يُلقي بظلاله على حركة الأفراد والبضائع ويرفع كلفة العابرين ويضغط على سلاسل الإمداد. من هنا تبدو مطالبة الأردن المتكررة بتخفيف القيود واحترام الالتزامات الدولية جزءاً لا يتجزأ من أمنه وحدوده وسيادته الاقتصادية. إن صوت الدولة حين يتكئ على الشرعية الدولية يصبح أشد وقعاً وأبعد أثراً. هكذا، يصوغ الدور الملكي طريقاً وسط الضجيج، خطاب يُعيد تعريف الأمن القومي باعتباره أمن الإنسان والحدود معاً، ودبلوماسية تُحوّل الموقف الأخلاقي إلى مبادرات عملية، وتحالفات عربية ودولية تبني أرضية مشتركة لسلام عادل.

ومن هنا فإن مسؤوليتنا كمجتمع ومؤسسات تجمع على أن نترجم هذه البوصلة إلى سياسات يومية، تعزز الصمود لأهلنا للثبات على أرضهم وتوفير المساعدات المناسبة من خلال الهيئة الخيرية الهاشمية، وحماية اقتصادنا، وتحصين وحدتنا الداخلية، وتغليب لغة القانون على خطاب العصبية والاحتقان. وحين تتلاقى شرعية الموقف مع صرامة التنفيذ، تصبح عمّان مركز ثقل أخلاقي وسياسي، يُذكّر العالم بأن العدالة ليست ترفاً في زمن الحروب، بل هي شرط الأمن للجميع.

إن الرسالة التي يوجهها الأردن بقيادة الملك واضحة، أن الأمن لا يتحقق بالقوة وحدها، بل بالعدالة، ولا يستقيم الاستقرار الإقليمي إلا بسلام عادل يعيد الحقوق إلى أصحابها. ومع كل موقف يُعلن من عمّان، تتأكد صورة الأردن كمرجع أخلاقي وسياسي في زمن تتداخل فيه الأزمات، لتبقى القيادة الهاشمية بوصلة الوطن وحامية أمنه القومي.