سائد كراجة
الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، تُعدّ وفق القانون الدولي الإنساني أرضًا محتلة تخضع لأحكام الاحتلال الحربي، أي السيطرة التي تفرضها دولة على إقليم أجنبي نتيجة نزاع مسلح، وتُلزمها القواعد الدولية بإدارته مؤقتًا وحماية سكانه المدنيين. وقد أكدت الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية في رأييها لعامَي 2004 و2024 أن استمرار الوجود الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية غير قانوني ويجب إنهاؤه فورًا.
في هذه الأرض يعيش فلسطينيون وأردنيون يحمل بعضهم الجنسية الأردنية الكاملة منذ ما قبل فكّ الارتباط عام 1988 أو بعده. ورغم تمتعهم بحقوق المواطنة الأردنية، فإنهم يقيمون في أرضٍ محتلة تُدار إداريًا عبر السلطة الفلسطينية، ما يجعلهم في وضع قانوني مزدوج: مواطنين أردنيين من جهة، وأشخاصًا محميين بموجب اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 من جهة أخرى.
تنصّ المادة (4) من اتفاقية جنيف الرابعة على أن كلَّ من يوجد في أرضٍ محتلة وليس من رعايا الدولة المحتلة يُعدّ شخصًا محميًا، وتحظر المادة (49) النقل أو الترحيل القسري للسكان لأي سبب. وتعتبر المادة (147) من الاتفاقية هذا الفعل “انتهاكًا جسيمًا”، بينما يصنّفه نظام روما الأساسي جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية. وقد أوضحت المحكمة الجنائية ليوغسلافيا السابقة أن الإبعاد القسري يشمل كلَّ أشكال الإكراه أو التهديد أو استغلال السلطة، وليس فقط استخدام القوة المباشرة.
وفي هذا السياق، أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تعليقها المحدّث لعام 2025 أن قواعد الحماية في الأراضي المحتلة تنطبق على جميع السكان الذين لا يحملون جنسية الدولة القائمة بالاحتلال، بغضّ النظر عن وضعهم الإداري أو انتمائهم السياسي. وشدّدت على أن نقلهم أو ترحيلهم القسري يُعدّ خرقًا جسيمًا للقانون الدولي الإنساني، ويقع ضمن الجرائم التي لا تسقط بالتقادم. كما تُلزم المادة الثانية المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع بتطبيق هذه الأحكام في كلّ حالة احتلال، حتى من دون مقاومة مسلّحة. وبما أن إسرائيل والأردن موقّعتان على اتفاقيات جنيف منذ عام 1950، فإنّ التزامات إسرائيل كقوة احتلال واجبة النفاذ.
وتُظهر تقارير منظمة بتسيليم (B’Tselem) أن إسرائيل تعتمد على منظومة أوامر وتصاريح عسكرية، أبرزها أمر “منع التسلل” رقم 1650، لتوسيع تعريف “المقيم غير القانوني” في الضفة الغربية. هذا النظام يمكّن سلطات الاحتلال من اعتبار أي شخص لا يحمل “تصريحًا” أو قيدًا ساريًا في سجلّ الضفة مقيمًا “بلا تصريح”، بما في ذلك أزواج وزوجات من الأردن لم تُستكمل ملفات لمّ شملهم. غير أنّ هذا التوصيف الإداري لا يخلق أي شرعية دولية للإبعاد، لأن الحظر على النقل أو الترحيل القسري في الأراضي المحتلة قاعدة آمرة لا يمكن تجاوزها.
منذ اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمةً لإسرائيل عام 2017 ثم إعلانها عام 2019 أن المستوطنات “ليست بالضرورة مخالفةً للقانون الدولي”، تبنّت واشنطن موقفًا يخالف الإجماع الدولي. غير أن مواقفها المنفردة لا تغيّر من التزامات إسرائيل، لأن قواعد القانون الدولي الإنساني ملزمة وآمرة.
أما الأردن، فقد أعلن بوضوح أن أي محاولة لترحيل الفلسطينيين أو الأردنيين من الضفة الغربية تمسّ أمنه القومي وشرعيته الإقليمية. فرفض الترحيل ليس شعارًا سياسيًا، بل موقف وطني يستند إلى القانون الدولي ويعبّر عن وحدة المصير الأردني الفلسطيني.
تأسيسًا على الوقائع والنصوص، فإن أيّ ترحيلٍ قسري لأردنيين أو فلسطينيين من الضفة الغربية يُعدّ جريمة حرب مكتملة الأركان وفق اتفاقية جنيف الرابعة ونظام روما الأساسي، ويحمّل إسرائيل، بصفتها قوة احتلال، مسؤولية جنائية دولية مباشرة. ويبقى السؤال المطروح: هل التزمت إسرائيل يومًا بقواعد القانون الدولي حتى تُصبح ضمانةً حقيقية؟ الفقه الدولي يجيب بأن القانون لا يحمي ذاته، بل تُفعّله الإرادة السياسية والمحاسبة القضائية. وهنا يشكّل الموقف الأردني رفضًا قانونيًا وردعًا فعليًا في آن واحد، يجمع بين حماية المصالح العليا للدولة الأردنية والمصالح العليا للشعب الفلسطيني في التشبّث بأرضه وحقّه في تقرير مصيره. ولا بدّ لليل أن ينجلي جنابك.