أخبار اليوم - هناك أخبار متفاوتة حول التصورات الحالية لتقنيات زراعة الغرسات الدماغية التي يمكن أن تحول الناس إلى بشر «معززين إلكترونياً». فمن جهة، فإننا ربما لن نصل إلى مستقبل حيث يمكننا فيه التحكم بأغلب الأجهزة والسيطرة عليها بعقولنا، أو توصيل معظم المستهلكين بآلات عصبية... على الأقل في أي وقت قريب.
ولكن ومن جهة أخرى، فهناك أخبار جيدة ولو أنها أقل إثارة لكنها مهمة بشكل كبير عندما يتعلق الأمر بالعلاج وحتى بهدف عكس آثار الأمراض والإصابات الخطيرة.
واجهات تفاعل الدماغ - الحاسوب
وهذا هو ما شرعت في تحقيقه مجموعة من شركات واجهات تفاعل الدماغ والحاسوب brain - computer interface (BCI) الأميركية، التي أحرزت تقدماً مبكراً في عرض تقنيات ترسم خرائط للموجات الدماغية، وتقرأها، وتفسرها، وتترجمها لمساعدة الملايين المصابين بأمراض تدهور الوظائف الحركية، والإصابات المنهكة، وفقدان البصر، وحتى الاكتئاب.
يقول جيمس كافوتو، المحرر في مطبوعة صناعة التكنولوجيا العصبية ومؤسسة «نيوروتك ريبورتس» لأبحاث السوق، لمجلة «إنك»: «إنه وقت مثير الآن، لأن هناك كثيراً من الاهتمام وكثيراً من التمويل»، في إشارة إلى مشروع «نيورالينك» للتكنولوجيا العصبية التابع لإيلون ماسك.ولكن ما يحدث في عالم واجهات الدماغ والحاسوب هو أكثر بكثير من مجرد مشروع مثل هذا، إذ تتنافس الشركات على التفرد كأنها رواد في السوق من خلال استقدام مزيد من المشاركين في التجارب البشرية لتقنياتها العصبية. ويحمل المستقبل مزيداً من الفرص للتطبيقات الطبية لهذه الصناعة بما يتجاوز الأهداف الحالية، مثل مساعدة المرضى الذين يعانون من حالات تنكسية عصبية مثل التصلب الجانبي الضموري «ALS»، أو إصابات خطيرة في النخاع الشوكي، على استعادة الوظائف أو التحكم في الأجهزة من خلال قراءة موجاتهم الدماغية. ويقول كافوتو إنه يرى أيضاً سوقاً كبيرة للتطبيقات ذات الصلة بواجهات الدماغ والحاسوب مثل الاضطرابات النفسية، مشيراً إلى أن الأدوية الموصوفة طبياً لا تُجدي نفعاً لدى جانب كبير من الأشخاص المصابين بالاكتئاب الشديد.
أبحاث وتجارب رائدة
إليكم 5 من الشركات الكبرى العاملة في مجال واجهات الدماغ والحاسوب تستحق المتابعة.
> «نيورالينك» Neuralink. قد تكون شركة «نيورالينك» هي الاسم الأكثر شهرة في العالم الجديد والجسور للتكنولوجيا العصبية، بفضل مؤسسها المشارك إيلون ماسك. لكن أهمية الشركة في مجال واجهات الدماغ والحاسوب لا تتعلق بقيادتها البارزة بقدر ما تتعلق بمدى تقدمها في الاستعانة بالمشاركين في التجارب البشرية ببلدان متعددة.
وأحدث الأخبار هي الإعلان عن دراسة للسلامة السريرية في المملكة المتحدة في نهاية يوليو (تموز)، في أعقاب الموافقة على دراسة كندية منفصلة أجريت أواخر عام 2024، وذلك بشأن زراعة شريحة «نيورالينك» الدماغية اللاسلكية التي تتحكم في الأجهزة لدى المرضى المصابين بالشلل الشديد. وقد صرّح ماسك في يناير (كانون الثاني) بأن ثلاثة أشخاص قد تلقوا شرائح «نيورالينك» في الولايات المتحدة، وأن الشركة تتطلع إلى أن يكون لديها من 20 إلى 30 مشاركاً في عام 2025.
إلا أن الأمر الأقل وضوحاً هو ما تريد الشركة السرية فعله بالضبط في نهاية المطاف. قد يكون التحكم في الأجهزة بهدف إنشاء «بشر خارقين - metahumans» قائماً في ذهن ماسك، لكن الدراسة المُعلن عنها أخيراً في المملكة المتحدة التي أُجريت على ما يصل إلى 7 مرضى مصابين بالشلل الشديد تطرح على الأقل بعض التلميحات حول استخدامات طبية أكثر تحديداً.
خرائط الدماغ... وتحكم العقل بالكمبيوتر
> «بريسيجن نيوروساينس»Precision Neuroscience. وجود قائمة كبيرة من تجارب واجهات الدماغ والحاسوب أمر، والعدد الفعلي للمرضى الذين خضعوا لزراعة الشرائح أمر آخر. وفي هذا الصدد، قد تتمتع شركة «بريسيجن نيوروساينس» بميزة رئيسية على المنافسين.
يقول مايكل ماغر، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة «بريسيجن»: «لقد زرعنا شرائح لـ50 مريضاً. في الواقع، يخضع مريضنا رقم 54 لزراعة الشريحة الآن». ثم يضيف: «هذا يفوق ما حققته بقية الشركات مجتمعة في هذه الصناعة».
جمعت شركة «بريسيجن» أكثر من 155 مليون دولار على مدى السنوات الأربع الماضية لتطوير منتجها الرئيسي، وهو «الواجهة القشرية من الطبقة 7 - Layer 7 Cortical Interface»، التي تشبه شريطاً مجهرياً شبيهاً بـ«ضمادة الجروح»، وتحتوي على 1024 قطباً كهربائياً دقيقاً، أي ما يقارب خُمس سُمك شعرة الإنسان. وقد نالت الشركة الموافقة من إدارة الغذاء والدواء الأميركية في أبريل (نيسان) الماضي، ما يسمح لها بزراعة الأجهزة لمدة تصل إلى 30 يوماً من الاستخدام المستمر (وجمع البيانات) في مناطق مختلفة على سطح الدماغ.
هذا الأمر أساسي لاستراتيجية شركة «بريسيجن»، الرامية إلى رسم خرائط الدماغ بأكبر قدر ممكن من الدقة، ما يؤدي بدوره إلى توسيع أنواع الأمراض والمرضى التي يمكن استخدام التقنية في علاجهم. يقول ماغر: «أعتقد أن أهم شيء قمنا به، وما زلنا نفعله، هو إظهار كيف يمكن لنظامنا أن يتيح التحكم في الكمبيوتر عن طريق الأفكار». في الوقت الراهن، هذا النظام له تطبيقات لكل من الأشخاص الذين يعانون من ضعف شديد في الوظائف الحركية أو الشلل الكامل الناجم عن إصابات في العمود الفقري، وأمراض مثل التصلب الجانبي الضموري «ALS»، وعلى الملايين الآخرين الذين يعانون من مشاكل حركية أقل حدة. لكن في المستقبل، يُلمح ماغر إلى أنه يمكن دمج النظام مع علاجات موجودة مثل التحفيز العميق للدماغ «DBS»، لمعالجة حالات نفسية مثل الاكتئاب الشديد.
الكلام المركب صناعياً
> «بارادروميكس» Paradromics. تحمل أجهزة واجهات الدماغ والحاسوب وعوداً كثيرة، مثل علاج الأعراض، ومساعدة المريض على ترجمة أفكاره، أو حتى السماح له بالكتابة والتحكم في الأجهزة. أما شركة «بارادروميكس» فتهدف إلى استعادة قدرة المريض على التحدث عبر الكلام المركب «synthesized speech».
يعد التوقيت عاملاً مهماً لشركات واجهات الدماغ والحاسوب في مراحلها المبكرة، وتستطيع شركة «بارادروميكس» أن تتباهى ببعض الإنجازات الحديثة والمثيرة للإعجاب في هذا الشأن، إذ تركز تقنية الشركة - المعروفة باسم تقنية «Connexus BCI» - على تفكيك عناصر الكلام وتقييم الوظائف الحركية بهدف تحقيق تواصل أكثر طبيعية للأشخاص الذين يعانون من صدمات دماغية وحالات ذات صلة.
في يونيو (حزيران)، تمكنت الشركة من إثبات أن جهازها يمكن استخدامه أثناء عملية جراحية فعلية لمريض مصاب بالصرع، ومن ثم إزالته بأمان في غضون 20 دقيقة. وتخطط شركة «بارادروميكس» لإجراء مزيد من العمليات الجراحية باستخدام تقنيتها خلال العام المقبل.
يقول الدكتور ماثيو ويلزي، جراح الأعصاب ومهندس الطب الحيوي في جامعة «ميشيغان»، الذي ساعد في قيادة العملية الجراحية المذكورة خلال يونيو، في بيان: «يبحث مختبري في كيفية استخدامنا لتقنيات تسجيل واجهات الدماغ والحاسوب الأكثر تقدماً، مثل (Connexus BCI)، لتطوير الجيل المقبل من الأجهزة المساعدة على الكلام والحركة». وأضاف: «هذا العمل يجعلنا على بُعد خطوة كبيرة من توفير العلاج للمرضى الذين لديهم احتياجات طبية بالغة وغير مُلباة».
غرسات شبكية العين... وتفسير إشارات الدماغ
> «ساينس كورب» Science Corp. تتألف صناعة واجهات الدماغ والحاسوب من الأجهزة التي تُزرع في الدماغ، وكذلك البرمجيات التي تفسر البيانات الدماغية المُجمعة. وتعد كيفية عملها على كلا جانبي المعادلة (أي الجانبين البيولوجي والرقمي) مهمة للمرضى.
تركز شركة «ساينس كورب»، التي تهدف إلى استعادة البصر للمرضى الذين يعانون من أمراض تؤدي إلى تدهور الرؤية مثل الضمور البقعي «macular degeneration»، على كيفية استخدام واجهات الدماغ والحاسوب لهؤلاء المرضى من خلال شريحة مزروعة في شبكية العين قد تعيد البصر فعلياً.
تعتمد تقنيتها على شريحة مزروعة تحت شبكية العين تُحفز الخلايا الكامنة خلف الخلايا المستقبلة للضوء «المستقبلات الضوئية - photoreceptors» (متجاوزة بذلك الخلايا العصوية والمخروطية التي نتمكن بها من الرؤية في المعتاد) بحيث يمكن للإشارات المرئية الوصول إلى الدماغ حتى لو فشلت الخلايا العصوية والمخروطية في العين. وهذه الشريحة المزروعة هي جزء من نظام مزدوج يتضمن زوجاً من النظارات مزودة بجهاز عرض مدمج لتحفيز شبكية العين.
وهي أقل اعتماداً على الخوارزميات وأكثر اعتماداً على التحسين البيولوجي عبر التكنولوجيا.
ويقول كافوتو من مؤسسة «نيوروتك ريبورتس» لأبحاث السوق: «إنهم لا يعتمدون فقط على الإشارات الكهربائية (في واجهات الدماغ والحاسوب)، وإنما يبحثون فعلياً في الأساليب البيولوجية الهجينة لدمج الأنسجة العصبية مع جهاز خارجي».
> «سينكرون» Synchron. مهما كان الأمر مثيراً للاهتمام في القدرة على قراءة وتفسير الموجات الدماغية، إلا أن هناك عائقاً واضحاً للغاية أمام استخدامه على نطاق واسع: فكثير من التقنيات المتاحة تتطلب بالفعل نوعاً من أنواع جراحة الدماغ.
وتتساءل شركة «سينكرون» ومقرها بروكلين فتقول: ماذا لو لم يكن الأمر يتطلب ذلك؟ يقول كيرت هاغستروم، المدير التجاري للشركة: «هناك كثير من الأشخاص الذين يحتاجون إلى تقنية يمكنها ترجمة أفكارهم إلى أفعال بطريقة رقمية. ولكن كيف يمكن توسيع نطاق ذلك؟».
ووفقاً لهاغستروم، هذا هو المجال الذي يمكن أن تحقق فيه تقنية «سينكرون» تأثيراً كبيراً. فقد طورت الشركة ما تسميه «سينترودس - stentrodes» (الأقطاب الدعامية)، وهي التي (كما يوحي الاسم) عبارة عن أجهزة تشبه الدعامات، ولكنها مزودة بأقطاب كهربائية لقراءة وتفسير الإشارات الدماغية.
تسمح هذه الأجهزة لشركة «سينكرون» باستخدام الأوعية الدموية العادية بوصفها وسيلة لجمع البيانات العصبية التي تتطلب التدخل الجراحي في المعتاد. يوضح هاغستروم: «نحن نعتمد نهجاً أقل تدخلاً، باستخدام الأوعية الدموية بوصفها مساراً للوصول إلى المعلومات في الدماغ». تُزرع الشريحة في الوريد الوداجي في العنق ثم توجيهها - مثل الدعامة التقليدية - إلى الأوعية الدموية بالقرب من القشرة الحركية بالدماغ.
وفي أغسطس (آب)، نشرت الشركة مقطعاً للفيديو يُظهر مريضاً مصاباً بالتصلب الجانبي الضموري «ALS» وهو يستخدم النظام اللاسلكي الأقل تدخلاً للتحكم في جهاز آيباد بعقله - وهو أمر أصبح ممكناً بفضل بروتوكول واجهة جهاز جديد من شركة «أبل» يسمح للشركات باختبار مثل هذه التقنيات مع أجهزة آيفون، وآيباد، وفيجن برو.
*مجلة «إنك» ـ خدمات «تريبيون ميديا»