أخبار اليوم - اشتعلت التوترات على الحدود بين أفغانستان وباكستان، الأحد، بعد اشتباك دموي ليلي بين جيشي البلدين، مع تبادل القوات النيران بكثافة في واحدة من أعنف موجات التصعيد بين الدولتين الجارتين منذ سنوات.
من جهتهم، أعلن مسؤولون أفغان، الأحد، إن قوات الأمن الأفغانية استهدفت مواقع عسكرية باكستانية على الحدود، فيما وصفوه بـ«عمليات انتقامية»، عقب ما وصفته كابل بأنه غارات جوية باكستانية داخل الأراضي الأفغانية، الأسبوع الماضي.
وحسب الجيش الباكستاني، لقي ما لا يقل عن 23 جندياً باكستانياً مصرعهم، وأُصيب 29 آخرون، السبت. وقالت حكومة «طالبان» إن تسعة جنود أفغان لقوا حتفهم، وأُصيب ما لا يقل عن 16 آخرين، حسب تقرير لـ«نيويورك تايمز»، الاثنين.
وأثارت الاشتباكات الليلية المخاوف من أن تتوسع دائرة العنف إلى صراع أوسع بين البلدين، اللذين ازدادت الروح العدائية بينهما تدريجياً منذ استعادة حركة «طالبان» السيطرة على السلطة في أفغانستان عام 2021.
من جهته، قال ذبيح الله مجاهد، المتحدث الرسمي باسم حكومة «طالبان»، أمام صحافيين، الأحد، إن القتال توقف عند منتصف الليل، بعد تدخل من قطر والسعودية حثّ على ضبط النفس. كما حذّر باكستان من أن أي انتهاك لسيادة أفغانستان سيُقابل برد انتقامي.
وذكرت القوات المسلحة الباكستانية في بيان، الأحد، أن الهجوم الأفغاني الليلي تضمن نيراناً كثيفة ومداهمات داخل الأراضي الباكستانية، مضيفة أنها ردّت باستخدام المدفعية الثقيلة والغارات الجوية وعمليات داخل أفغانستان. وقد أعلن الطرفان عن وقوع عشرات الضحايا، لكن لم يُمكن التحقق من صحة هذه الادعاءات بشكل مستقل؛ نظراً لصعوبة الوصول إلى المنطقة الحدودية.
وجاء الهجوم الأفغاني رداً على هجمات وقعت الأربعاء في كابول وسوق بالقرب من الحدود، والتي حملت حكومة «طالبان» إسلام آباد مسؤوليتها.
وصرحت باكستان، الجمعة، بأنها نفذت «سلسلة من العمليات الانتقامية» ضد مسلحين باكستانيين، لكنها لم تذكر أفغانستان بشكل مباشر، ولم تعلن مسؤوليتها عن الانفجارات التي وقعت، الخميس، في كابول والسوق الحدودية.
ورغم عدم تناوله تفاصيل العنف الأخير، أشاد رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، الأحد، بالقوات المسلحة، واصفاً ردها على «الاستفزازات الأفغانية الأخيرة» بأنه «قوي وفعّال»، مشيراً إلى أن الجيش «دمّر مواقع حدودية (أفغانية) عدة وأجبرهم على التراجع».
جدير بالذكر، أن قوات البلدين كثيراً ما اشتبكت على طول الحدود المشتركة، التي تمتد لمسافة نحو 1600 ميل عبر مناطق جبلية وعرة.
واتهمت باكستان حكومة «طالبان» بإيواء جماعة «طالبان الباكستانية» المحظورة، والتي تسببت هجماتها في مقتل المئات من قوات الأمن الباكستانية في السنوات الأخيرة. كما اتهمت باكستان خصمها اللدود، الهند، بدعم هذه الجماعة.
وحسب مسؤولين عسكريين باكستانيين وخبراء مستقلين وأمميين، تلقت قيادة «طالبان الباكستانية» دعماً مالياً من الحكومة الأفغانية، وسُمح لمسلحيها بالتدريب بحرية في أفغانستان. في المقابل، تنفي «طالبان» الأفغانية دعم الجماعة الباكستانية.
ورغم الاشتباكات المتقطعة والتوترات الدبلوماسية، حاولت حكومتا البلدين إصلاح العلاقات في السنوات الأخيرة. وبالفعل، التقى كبار دبلوماسيي البلدين نظراءهم الصينيين في أغسطس (آب)، لكن باكستان لم تعترف بحكومة «طالبان» بصفتها السلطة الشرعية في أفغانستان.
ورغم ذلك، تربط البلدين علاقات وثيقة؛ خاصة وأن باكستان تشكل الشريك التصديري الأول لأفغانستان، وتستضيف ملايين الأفغان الذين فرّوا من غياب الأمن والبطالة خلال العقود الماضية.
وبالعودة إلى الاشتباكات الليلية بالأمس، فقد أُغلقت المعابر الحدودية الرئيسة بين البلدين بعدها، حسبما أفاد مسؤولون من الجانبين. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه في الأشهر الأخيرة، عاد عشرات الآلاف من الأفغان المقيمين في باكستان إلى وطنهم إثر حملة ترحيل أمرت بها الحكومة الباكستانية.
من جهته، عبَّر آدم وينستاين، المحلل المعني بالشؤون الأفغانية والباكستانية في «معهد كوينسي» في واشنطن، عن اعتقاده بأن الاشتباك الذي وقع، السبت، لم يستمر سوى بضع ساعات، ربما لأن كلا البلدين لا يرغبان في مزيد من التصعيد.
وأضاف: «باكستان لا تسعى في الوقت الراهن لتغيير النظام، لكن (طالبان) تعرف أنها ستكون في وضع أضعف عسكرياً إذا واصلت التصعيد». وأوضح أن باكستان يمكنها تنفيذ غارات جوية في معظم أنحاء أفغانستان، في حين تقتصر خيارات «طالبان» على القصف المدفعي عبر الحدود والاستعانة بمسلحي «طالبان الباكستانية» للضغط داخل باكستان.
من ناحيتها، أعلنت «طالبان الباكستانية»، السبت، مسؤوليتها عن سلسلة من الهجمات في إقليم خيبر بختونخوا الباكستاني، المتاخم لأفغانستان، والتي أسفرت عن مقتل عدد من عناصر الأمن والمدنيين، بما في ذلك تفجير بالقرب من منشأة تدريب للشرطة.
وقال سكان المناطق الحدودية من الجانبين في مقابلات هاتفية إنهم شهدوا اشتباكات عنيفة ليلية استمرت لساعات. وقال شبير خان، أحد سكان منطقة كورام الحدودية في باكستان: «استمر القتال لساعات دون توقف»، واصفاً دوي الأسلحة الثقيلة وهو يتردد في الجبال.
أما عزيز سايار، من سكان منطقة سواكي في ولاية كونر الأفغانية القريبة من الحدود، فقال إن إطلاق النار بدأ نحو الساعة 9 مساءً واستمر لأكثر من ثلاث ساعات. وأضاف: «أطفالنا صرخوا من الخوف مع دوي الرصاص طوال الليل».