شتاء ثالث بلا مأوى .. نازحو غزة يواجهون البرد بخيام ممزقة

mainThumb
شتاء ثالث بلا مأوى.. نازحو غزة يواجهون البرد بخيام ممزقة

13-11-2025 03:07 PM

printIcon

أخبار اليوم - بخوفٍ وترقّب، وقلة إمكانيات، وخيامٍ ممزقةٍ ومهترئة، ومنازلَ غيرِ صالحةٍ للسكن، وشوارعَ دمّر الاحتلال بنيتها التحتية، يتحول الشتاء في غزة إلى كابوسٍ مقلقٍ ومخيفٍ لمئات الآلاف من النازحين في الخيام وأصحاب البيوت المتضررة، وهم يواجهون شتاءهم الثالث بواقعٍ مؤلم تتكشف فيه الكوارث الإنسانية أكثر، وتظهر مآسي الإبادة بشكلٍ أقسى من أي وقتٍ مضى.

أدّت العملية العسكرية الأخيرة لجيش الاحتلال إلى تدمير أحياءٍ ومساحاتٍ واسعةٍ من مدينة غزة، نزح معظم سكانها إلى خيامٍ أنشؤوها من الأخشاب والقماش والشوادر التي لا تمنحهم الدفء. تملأ الخيام الساحات العامة وشاطئ البحر والملاعب ومراكز الإيواء، حيث يواجه النازحون بردًا قارسًا وغرقًا محتملًا بفعل تحوّل الشوارع إلى برك مياهٍ نتيجة تدمير خطوط الصرف.

تجلس الحاجة آمال الغرابلي أمام خيمتها البالية، تمدّ قدمها المصابة وتضع بجانبها جهازًا مساعدًا للمشي (وكرًا)، ترتدي طبقة رقيقة من الملابس لا تمنحها الدفء، يحيط بها الهواء البارد من كل جانب وتزرق أطراف يديها، تحدّق في الغيوم الملبّدة وتضع يدها على قلبها مع اقتراب منخفضٍ جويٍّ بات قدومه كابوسًا على النازحين.

في مخيم إيواء وسط مدينة غزة، نصبت عائلة الغرابلي خيامها على أرضٍ طينية لا تمتص مياه الأمطار، ما يحوّل الممرات الفاصلة بين الخيام إلى بركٍ راكدةٍ تتسرب منها المياه إلى داخل الخيام البالية غير المهيّأة لمواجهة الأمطار. تتمنى الغرابلي ألّا يتكرر سيناريو الغرق الذي عاشته العام الماضي، وتقول لـ "فلسطين أون لاين": "جربت العيش في الخيام أثناء الشتاء، وتعرضنا للغرق، وأخشى أن يتكرر المشهد. الآن أنا مصابة ولا أستطيع الحركة، وينخر البرد ألم الإصابة، فأزداد وجعًا."

داخل خيمةٍ أخرى، تعيش أم عماد الهركلي في مأوى مهترئٍ أحاطته بأغطيةٍ شتويةٍ ممزقة. الصورة القاسية من الخارج تزداد سوءًا في الداخل مع قلة الأغطية والملابس، لتعيش الهركلي وعائلتها حياةً مليئةً بالبؤس والمعاناة. تقول وهي تقف أمام باب خيمتها يحيط بها صغار المخيم: "أصبحنا نترقب قدوم الشتاء بخوف. فرغم أنه فصل خير، فإنه يأتي ثقيلًا على النازحين. خيمتي مهترئة استلمتها قبل عام، ولا أملك ثمن شراء نايلون أو شادر لحمايتها، فالغرق سيكون النتيجة الحتمية."

في مرفأ الصيادين غرب مدينة غزة، يزداد مشهد المعاناة قسوة؛ فمئات الخيام تنتشر على طول الرصيف داخل مياهٍ تحاصرها من جانبين، في واقعٍ مأساويٍّ يزيده اهتراء الخيام نفسها.

في خيمةٍ صغيرةٍ مسقوفةٍ بالأغطية الممزقة، يعيش أحمد وزوجته وأطفاله الأربعة. يقول والقهر يعتلي وجهه: "الحياة في هذه الخيمة صعبة جدًا. البرد يأكلنا ليلًا وأطفالي يرتجفون. نعيش داخل الميناء حيث الرياح شديدة وصوت الأمواج مرعب، أشعر أن البحر سيبتلعنا، وهطول المطر سيكمل المأساة."

على مقربة، تجلس صفاء البلعاوي على كرسي بجانب أغراضها فيما يسابق زوجها الزمن لنصب خيمةٍ قبل أن تهطل الأمطار. كانت تأمل بالعودة إلى منزلها لكنها صُدمت بهدمه خلال العملية العسكرية الأخيرة. تحمل طفلًا عمره ثلاثة أشهر يعاني من التهاباتٍ في الشعب الهوائية، وتقول بخوف: "ليس لدي مكان يمنح طفلي الدفء. لا خيمة جاهزة ولا مأوى سوى الميناء، رغم قسوة الحياة هنا، لكننا سنتحمل هذا الواقع المأساوي القاسي."

أما أيمن ريحان، فيعيش بخيمةٍ قماشيةٍ مهترئةٍ في مخيم الإيواء بمنطقة الجندي المجهول. يراقب السماء الملبّدة بالغيوم ويقول: "الشتاء أصبح كابوسًا بكل معنى الكلمة. نعيش في خيامٍ مهترئةٍ من القماش أو الشادر، ليست مخصصة للإيواء، ومع ذلك نمضي عامنا الثالث فيها. الحرّ في الصيف، والبرد في الشتاء ينهش أجسادنا."

ولا تقتصر مخاوف النازحين على الأمطار، بل تمتد إلى الرياح القوية التي قد تقتلع الخيام، أو تسرب المياه من التربة أسفلها. يقول ريحان ساخرًا: "في الشتاء، الهمّ ملاحقنا."


في أحد المفترقات بين شارعي النفق والصحابة، يملأ الوحل الطريق نتيجة اختلاط مياه الصرف الصحي بالطين، ما يمنع المارة من العبور. يقول الشاب صهيب أبو عاصي، الذي يعمل في محلٍّ قريب: "المكان يتحول إلى مكرهةٍ صحيةٍ مع أول هطولٍ للأمطار، فالمياه المختلطة بالصرف والوحل تجعل السير مستحيلًا."

ولا يختلف المشهد في باقي أحياء غزة، حيث تتجمع مياه الأمطار في الشوارع المدمرة المليئة بالحفر، وتغمر الخيام المنتشرة فيها، كما حدث مع أبو أحمد الذي نصب خيمته في شارع الجلاء.

يقول المهندس ماهر سالم، مدير التخطيط في بلدية غزة، لـ"فلسطين أون لاين": "معظم الخيام منتشرة في الشوارع ومعرّضة للغرق بسبب جريان السيول، ويهددها طفح الصرف الصحي واقتلاعها من أماكنها. منظومة الصرف الصحي متوقفة بالكامل، وأكثر من 25% من شبكة مياه الأمطار مدمرة، وبرك التجميع ممتلئة بمياه الصرف، ما يجعل تصريف المياه شبه مستحيل، ويزيد خطر الغرق خلال الشتاء بسبب نقص المعدات والوقود والمضخات."

المصدر / فلسطين أون لاين



news image
news image
news image