غزة بلا دواء… طوابير النجاة تنتهي بعبارة واحدة: مفيش

mainThumb
غزة بلا دواء… طوابير النجاة تنتهي بعبارة واحدة: مفيش

23-11-2025 10:17 AM

printIcon

أخبار اليوم - مرّت أكثر من ستة أسابيع على إعلان وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر 2025، ولا يزال وعد "فيضان المساعدات الطبية" مجرّد شعار. فبحسب منظمة الصحة العالمية (نوفمبر 2025)، وصل مخزون 52% من الأدوية الأساسية و68% من المستلزمات الطبية إلى الصفر، في حين يُحرم 350 ألف مريض مزمن من علاجهم اليومي، وتُسجَّل وفيات متزايدة كان يمكن منعها لو توفّر الحد الأدنى من الدواء.

في هذا التقرير، تتجسّد صورة القطاع الصحي من خلال أصوات أمهات ومرضى وجدوا أنفسهم في مواجهة المرض… دون علاج.

بين الطوابير

في السابعة صباحًا خرجت ندى الخروبي (37 عامًا) من شارع الوحدة بغزة، تحمل طفلها الرضيع الذي تشتد عليه الحمى والسعال. وقفت في طابور التسجيل، ثم في طابور أطول أمام باب الطبيب. مرّت ثلاث ساعات كاملة قبل أن تدخل إلى الكشف.

دوّن الطبيب وصفة بسيطة: تحاميل لخفض الحرارة، شراب للسعال، ومضاد حيوي.

هرعت إلى صيدلية المستشفى، وانتظرت ساعة أخرى في طابور جديد، قبل أن تسمع الجملة التي باتت الأكثر تكرارًا في غزة: «مفيش تحاميل… مفيش شراب… مفيش مضاد حيوي».

سألتها الصيدلانية إن كانت تريد كتابة الوصفة لتحاول شراءها من الخارج، فأجابت بصوت يرتجف: "لفّيت على الصيدليات… ما لقيت دواء".

خرجت ندى إلى الشارع، تضم طفلها الذي يزداد بكاءً، وتهمس: "يا رب… كيف بنعيش؟".

عائشة أبو عفش (25 عامًا) من شارع النفق، تركض منذ عشرة أيام خلف علاج لطفلها الذي يعاني طفحًا جلديًا وحبوبًا ملتهبة. تقول لصحيفة "فلسطين": "العيادات، والنقاط الطبية، والصيدليات… كلها بتقول: مفيش مرهم، مفيش مضاد، مفيش حتى كريم بسيط."

اضطرت لاستخدام كريم مهبلي قديم لتهدئة الحكة، لا لأنه يعالج، بل ليمنح طفلها دقائق من النوم… ويمنحها لحظات لتبكي بعيدًا عنه. وتتابع: "إذا مش قادرة أعالج حبوب بسيطة… كيف لو مرض مرض كبير؟".

بحث لا ينتهي

في حي التفاح، تعيش هديل عجور (40 عامًا) رحلة يومية تبدأ منذ الثامنة صباحًا. تتنقل بين النقاط الطبية والعيادات الحكومية بحثًا عن تروفين لتسكين ألم أسنانها، ومضاد حيوي، وخافض حرارة لابنتها التي تعاني من "الحم" في الفم، ما يمنعها من الرضاعة منذ أسبوع.

تقول هديل لصحيفة "فلسطين": "كل يوم ألفّ على كل العيادات… نفس الجواب: مفيش. بنتي بتموت من الوجع وأنا مش قادرة أعمل شيء."

ولما يئست، بدأت تبحث في الصيدليات. وبعد ساعات وجدت أخيرًا الدواء، لكن صدمتها كانت بسعره المرتفع الذي يفوق قدرتها.

وتضيف: "الدواء موجود… بس صار للناس اللي معها مصاري. وإحنا...". أما أم محمد البحطيطي من حي التفاح فتشكو: "ابني عنده حساسية صدر… مش لاقيين بخاخ فنتولين ولا كلاريتين. الولد بينخنق وأنا مش قادرة أعمل حاجة."

اتفاق على الورق… وحصار على الأرض

كجزء من الاتفاق الـ20 نقطة الذي توسطت له الولايات المتحدة مع قطر ومصر وتركيا، تعهّدت إسرائيل بفتح جميع المعابر، ورفع الحصار، وإدخال 600 شاحنة يوميًا لتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية، بما في ذلك الأدوية المنقذة للحياة.

ومع ذلك، بقي معبرا كرم أبو سالم ورفح مغلقين جزئيًا، ورفضت إسرائيل دخول شحنات عاجلة لـ17 منظمة غير حكومية بين 10–21 أكتوبر، بما في ذلك أدوية ومياه وخيام، بحجة "عدم الترخيص" أو "الاستخدام المزدوج".

أفاد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) أن 75% من الرفض كان بسبب "عدم الإذن"، مع تراكم 50 مليون دولار من المساعدات العالقة عند المعابر.

الاحتلال خفّض عدد الشاحنات إلى 300 شاحنة يوميًا، ثم إلى 40–50 شاحنة فقط، وأغلق معبر رفح بذريعة "نزاع حول جثث الرهائن"، في انتهاك واضح للاتفاق.

منظمات مثل أوكسفام والأونروا أكدت أن هذه القيود متعمدة، مع رفض آلاف الأصناف باعتبارها "استخدامًا مزدوجًا"، وتأخير التصاريح لساعات، ما يؤدي إلى وفيات يمكن تفاديها.

تُلقي الرواية الإسرائيلية اللوم على "حماس وسرقة المساعدات"، لكن المنظمات الدولية تنفي ذلك بالكامل، مؤكدة أن الحصار الإسرائيلي هو السبب الرئيسي في الانهيار الصحي، وهو انتهاك للقانون الإنساني الدولي.

المستشفيات بلا مسكنات… والمرضى يموتون بصمت

يقول المنسق الطبي المساعد لمنظمة أطباء بلا حدود في غزة، محمد أبو مغصيب، إن "الجوع والنقص الطبي متعمدان"، مشيرًا إلى نفاد مسكنات الألم والضمادات في مستشفيات ناصر ودير البلح.

اضطرت المنظمة لتقليل تغيير الضمادات لمرضى الحروق، كما سجلت زيادة بنسبة 190% في إصابات الرصاص غير المعالجة منذ أبريل 2025.

ودعت المنظمة إلى وقف "العقاب الجماعي" وفتح المعابر فورًا.

أمّا المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني فأعلن أن غزة أصبحت "مقبرة للأطفال" بسبب نقص الأدوية والوقود، مع إغلاق 8 من أصل 14 مركزًا طبيًا تابعًا للأونروا. وسجّلت الوكالة 13 ألف حالة جديدة من سوء التغذية الحاد لدى الأطفال في نوفمبر، مرتبطة بنقص الأغذية العلاجية.

وطالبت بإدخال 3,000 شاحنة مساعدات محاصرة عند المعابر.

كما أكدت منظمة الصحة العالمية أن 52% من الأدوية الأساسية نفدت تمامًا، محذّرة من تفاقم نقص الإنسولين الذي يهدد 150–200 ألف مريض سكري.

المنظمة حذّرت أيضًا من ارتفاع الوفيات بنسبة 40% بين مرضى الفشل الكلوي بسبب تقليص جلسات الغسيل إلى ساعة واحدة أسبوعيًا.

ودعت إلى فتح ممرات طبية عاجلة لإدخال 500 شاحنة يوميًا من الأدوية والمستلزمات.

المصدر / فلسطين أون لاين