أحياء كاملة تتلاشى .. منازل سكنية تُفجَّر وذكريات تُطمس تحت الركام

mainThumb
أحياء كاملة تتلاشى.. منازل سكنية تُفجَّر وذكريات تُطمس تحت الركام

20-11-2025 12:21 PM

printIcon

أخبار اليوم - تتطاير سحب الغبار وأعمدة الدخان فوق المناطق الشرقية والشمالية من غزة، كأن الأرض هناك تتنفس بصعوبة، وكل زفرة منها محمّلة برائحة البارود. في كل مرة يُسمع دوي انفجار، تهتز أرجاء المدينة، فيتجه الناس بأنظارهم شرقًا، حيث تُنسف منازل وأحياء سكنية كانت يومًا تضج بالحياة هناك.

في المناطق التي يسيطر عليها جيش الاحتلال خلف ما يعرف بـ"الخط الأصفر"، صار المشهد مألوفًا رغم سريان وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ يوم 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، وسط مخاوف كبيرة لدى النازحين المدمرة منازلهم من أن تطال عمليات التدمير ما تبقى من أحياء ومنازل سكنية.

على طرف مخيم صغير في منطقة الرمال الشمالي، غرب غزة، يجلس سامي حسين (55 عامًا)، نازح من حيّ الشجاعية. يحدّق في شاشة هاتف محطمة، ويتتبع عبر مقاطع متداولة صور انفجارات هزت الأرجاء الشرقية للمدينة، وسببت دمارًا مروعًا.

قال لـ "فلسطين أون لاين" بصوت خافت: "هذه المباني السكنية كانت آخر ما تبقى قائمًا في شارعنا قرب تلة المنطار، وبسبب عمليات النسف لم يبقَ شيء على حاله."

العودة مقابل الموت

يصف أحمد كيف تمنعه قوات الاحتلال من العودة إلى منطقة سكنه منذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار، حيث تنتشر آليات جيش الاحتلال ومدرعاته العسكرية، في مناطق مختلفة من الحي، خلف مكعبات خرسانية صفراء اللون، وضعها الجيش، ويمنع أحد من تجاوزها بقوة النيران.

ومنذ ذلك الحين، شهدت تلك المناطق عمليات تفجير متتابعة لمنازل سكنية ومبانٍ شبه مدمرة، وفق ما يرويه سكان فقد غالبيتهم منازلهم من المناطق التي نزحوا منها، حيث يلجأ جيش الاحتلال إلى تفخيخ البنايات من الداخل قبل تفجيرها، بينما يستخدم الجرافات والمدرعات لإكمال مهمّة التسوية بالأرض.

"كان بيتنا متضررًا، لكنه واقف. كنت أقول لنفسي إننا سنعود ونرمم ونعيد بناء حياتنا. الآن لم يعد هناك شيء يرُمم." يضيف أحمد وهو يضغط بيده على جبينه، محاولاً حبس دمعة خرجت رغمًا عنه.

على بعد أمتار قليلة، جلست سهى عرفات (28 عامًا) أمام خيمتها المهترئة، تحاول تهدئة نفسها بعد ليلة صعبة سمعت خلالها سلسلة انفجارات.

تقول سهى لـ"فلسطين أون لاين"، وهي من سكان بلدة بيت حانون، شمالي قطاع غزة: "كلما سمعت صوت النسف والانفجارات، أحسّ أن جزءًا من روحي يقتلع، ليس فقط لأن بيتي كان هناك، بل لأن كل ذكريات عائلتي تلاشت."

تروي سهى أنها نزحت من بيتها مع بداية الحرب في أكتوبر 2023، ومنذ سنتين لم تتمكن من العودة إلى هناك إلا لمدة أسابيع قليلة خلال وقف إطلاق النار في يناير/ كانون الثاني 2025. لكن بعد انقلاب الاحتلال على الاتفاق، أجبرت مثل غيرها من المدنيين على النزوح مجددًا، ولم تتمكن من العودة رغم الإعلان الأمريكي عن إنهاء الحرب.

تقول سهى: "الرعب الحقيقي ليس في الانفجار نفسه، بل في أن تعرف أن بيتك تم تفجيره وأنت عاجز حتى عن الاقتراب منه."

استهداف الحجر والبشر

وفي الأسابيع القليلة الماضية، استهدف جيش الاحتلال مواطنين مدنيين حاولوا الاقتراب من الخط الأصفر، بغارات نفذتها طائرات حربية بدون طيار، ومسيَّرات من نوع "كواد كابتر"، ما أدى إلى استشهاد وإصابة العشرات منهم بجروح خطرة، وفق ما وثقته تقارير محلية.

محمد جمّال، من سكان حي التفاح شرقي مدينة غزة، هو الآخر من النازحين الغير قادرين على العودة إلى منطقة سكنه في الحي الذي تشهد أطرافه الشرقية أيضًا عمليات نسف وتدمير نتج عنها تسوية مربعات سكنية كاملة بالأرض.

قال لـ"فلسطين أون لاين": "كنت أسكن في حي التفاح وبسبب الحرب نزحت تحت وطأة القصف الجوي والتوغل البري لجيش الاحتلال. لا زلت أملك مفتاح بيتي، لكن العودة تبدو حلمًا مستحيلاً. فالجيش يطلق النيران إذا اقتربنا من المناطق الشرقية، وعندما تسنح الفرصة للعودة، نجد أن المدرعات بين الشوارع استعدادًا لتفجير المباني."

يشير جمّال، والذي لم يجد مكانًا لإيواء زوجته وأبنائه الستة، إلى أن جيش الاحتلال يواصل تدمير المباني في المناطق التي يسيطر عليها، وهي مبانٍ لا تشكل خطرًا عسكريًا.

ويستخدم جيش الاحتلال في تدميره الممنهج للمناطق التي يسيطر عليها، أنواعًا متعددة من الأسلحة الفتاكة، منها الضربات الجوية العنيفة التي تنفذها المقاتلات الحربية، والألغام التي يضعها بكميات كبيرة بين الأحياء السكنية، إضافة إلى سلاحه الفتاك؛ المدرعات المحملة بأطنان من المواد شديدة الانفجار، والتي إذا ما دوى صوت انفجارها، فإنها تدمر مربعًا سكنيًا كاملاً.

وفي الوقت الذي يواصل فيه جيش الاحتلال خرق وقف اتفاق وقف إطلاق النار المبرم بوساطة مصرية وقطرية ورعاية الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، يعيش النازحون حالة من الخوف والإحباط، ويعبرون عن رغبتهم بالعودة، لكنهم محاصرون بخط التماس العسكري الذي يفرض عليهم قيودًا صارمة، وسط مخاوف من تفاقم المآسي الإنسانية وأن تلقي بظلال طويلة الأمد على إمكانية إعادة الإعمار واستعادة حياتهم الطبيعية.

المصدر / فلسطين أون لاين