أخبار اليوم - مخيم البقعة، أحد أكثر المناطق كثافة سكانية في المملكة، يواجه منذ سنوات معاناة يومية تتعلق بباصات النقل العام، معاناة لم تعد مجرد شكوى عابرة بل تحوّلت إلى سلسلة طويلة من الأسئلة والنداءات التي تضع المسؤولين أمام اختبار حقيقي: من يستمع؟ ومن يتحرك؟
الناس تتحدث بصراحة؛ “باص المؤسسة لماذا ألغي؟” يتساءل السكان وهم يستذكرون خطًا كان يومًا يشكّل شريان حياة، بينما يطالب آخرون بحجز الباص ثلاثين يومًا إذا خالف التعليمات، وكأن المواصلات صارت جبهة تستوجب الردع وليس الخدمة. وتلاحق أصوات المواطنين النواب الذين جمعوا أصوات المخيم في الانتخابات، ثم غابوا عن ملفاتٍ يعتبرها السكان جزءًا من مسؤولياتهم.
الأحاديث الشعبية التي يجري تداولها بين الأهالي تكشف صورة يومية مرهقة: تأخير عن العمل، تخبط في التحميل والتنزيل، فوضى عند الإشارات، معاناة للنساء والطلاب، اضطرار بعض الأهالي لاستخدام التكسي مضطرين، ارتفاع كلفة المعيشة، وتحكم بعض السائقين بمصائر الناس، كل ذلك وسط سؤال يتكرر كخيط أحمر: “أين النواب؟ أين المسؤول؟”.
يقول سكان المخيم إن الحلول ليست مستحيلة؛ موقف واضح، تنظيم حركة الباصات، توفير كراج مناسب، أو حتى تشغيل باصات سريعة كما حدث في مناطق أخرى. بعضهم يقترح ثبات دورية سير عند دوار عين الباشا للحد من فوضى تبديل الركاب، وآخرون يتحدثون عن تفعيل نظام مراقبة إلكتروني يضبط المخالفات، بينما يرى آخرون أن تقديم خدمة “باص التردد السريع” إلى المخيم بات ضرورة ملحّة لا رفاهية.
اللافت في أصوات الأهالي هو الشعور بالكرامة المجروحة أكثر من ضيق النقل؛ أم قلقٌ على ابن يتأخر يوميًا عن دوامه، طالبة تشتكي من التدافع والزحام، شاب يرى أن المناطق تُعامل كـ “كوكب مختلف”، ومواطن آخر يقول بصراحة: “لو كان للمخيم وزن عند أصحاب القرار لوُضع له خط سريع منذ سنوات”.
أحد المشاركين يلخّص المشهد بمرارة: المشكلة ليست جديدة، بل ممتدة منذ الثمانينيات، والنتيجة واحدة؛ انتظار طويل، تحميل عشوائي، ركاب يُنزلون في منتصف الطريق، وغياب أي منظومة تضبط الفوضى. أما البعض فيذهب أبعد من ذلك بالتساؤل: هل هناك من يسعى لنقل الكراج أصلًا؟ ولماذا لا تُدرس خيارات توسعة الخطوط بدل ترك الناس يلاحقون الباصات في البرد؟
ومع كل هذه المشاهد، يرتفع صوت آخر داعيًا المسؤولين للنزول إلى الشارع فجراً، ليروا الناس وهي تركض خلف الباص، بينما ينشغل آخرون بالدفاع عن ضرورة وجود الشرطة في نقاط معينة، أو إعادة تطبيق بطاقة “الانطلاق والوصول” القديمة، وتفعيلها لإنهاء مشكلة عدم إكمال الرحلة إلى نهاية الخط.
ومع أن الخلاف يدور حول من يتحمل المسؤولية — النواب؟ المتصرف؟ وزارة النقل؟ هيئة قطاع النقل؟ — إلا أن القاسم المشترك بين كل الأصوات هو شعور واحد: أن هذه المشكلة، رغم بساطتها، تختصر صورة غياب الانصاف في الخدمات الأساسية لمنطقة تُعد أكبر تجمع سكاني في المملكة.
وبين من يطالب بالباص السريع، ومن يقترح زيادة عدد الباصات في ساعات الذروة، ومن يرى أن ثقافة السائقين تحتاج ضبطًا ومراقبة، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يتغير شيء هذه المرة؟ أم ستبقى نداءات المخيم صدىً في فضاءٍ لا يسمعه أحد، بينما تتكرر الرحلة كل صباح… الناس تركض خلف الباص، والباص يركض خلف الوقت، والمشكلة تركض خلف من يعترف بأنها موجودة أصلًا؟