أخبار اليوم - صفوت الحنيني - عبّر الكاتب الصحفي الدكتور محمد البزبز الحياري عن تقديره لوكالة الأخبار التي أتاحت له المنصة لتسليط الضوء على أحد أهم الملفات التراثية المنسية في مدينة السلط، موجّهًا الشكر لما وصفه بـ"الطرح الموضوعي والسبق الإعلامي" الذي تتبناه الوكالة في تغطيتها المتنوعة.
وفي مداخلة له، قال الدكتور الحياري: "أنا الدكتور محمد البزبز الحياري، وأود الحديث اليوم عن قضية أنفاق مدينة السلط، وهي أنفاق لطالما سمعنا عنها من آبائنا وأجدادنا، إذ كانوا يتحدثون عنها كجزء أصيل من تاريخ المدينة وتركيبتها المعمارية، وها نحن اليوم نُدرك أكثر من أي وقت مضى قيمتها الحقيقية بعد أن باتت السلط على قائمة التراث العالمي المعتمدة من قبل منظمة اليونسكو".
وأوضح الحياري أن هذه الأنفاق لم تنشأ حديثًا، بل تطورت عبر مراحل زمنية متعاقبة، مشيرًا إلى أن السلط، باعتبارها مدينة جبلية، تعرضت عبر التاريخ لعدة حملات عسكرية، من الرومانية إلى الصليبية فالعثمانية، مرورًا بالمملوكية والأيوبية، مما دفع السكان إلى تطوير البنية التحتية للمدينة بشكل تكيفي وذكي.
وأضاف أن استخدام الأنفاق بدأ لأغراض خدمية، وتحديدًا لتوزيع المياه المتدفقة من نبع يقع أسفل قلعة السلط، وهي القلعة القائمة فوق جبل يحمل الاسم ذاته، ثم تحولت لاحقًا إلى ممرات آمنة ومخابئ استراتيجية استخدمها السكان أثناء تعرض المدينة للهجمات أو الحصار.
وقال الحياري إن مركز هذه الأنفاق يبدأ من أسفل المسجد الكبير في وسط السلط، ويمتد إلى شارع الميدان، نزولًا نحو مبنى البلدية الحالي والمناطق المجاورة له، مضيفًا أن أهالي السلط لعبوا دورًا فاعلًا في ترميمها في فترات متفرقة، لا سيما خلال حملة إبراهيم باشا على المنطقة، حيث استخدمها السكان للهروب من الحصار، والدخول والخروج من المدينة دون أن يتأثروا به.
وتابع قائلًا: "هذه الأنفاق اليوم شبه مهجورة، ولا تُستخدم إلا لأغراض محدودة جدًا، مثل تمديد شبكات الكهرباء أو المياه، ولا يُنظر إليها باعتبارها إرثًا حضاريًا وسياحيًا يمكن توظيفه لصالح المدينة واقتصادها المحلي".
وأشار الحياري إلى أن مدنًا كثيرة حول العالم – مثل باريس – تستثمر في ممراتها القديمة، وتُدخلها ضمن مساراتها السياحية الرسمية، بما في ذلك مجاري المياه أو السراديب التاريخية التي تُروى حولها قصص تعود لمئات السنين، مؤكدًا أن السلط تملك كنزًا مشابهًا لكنه لا يزال مدفونًا تحت الإهمال.
ودعا الدكتور الحياري عبر منبر الوكالة جميع الجهات ذات العلاقة، من بلدية السلط الكبرى، ووزارة السياحة والآثار، ووزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، إضافة إلى أي جهات تراثية أو ثقافية مختصة، إلى التحرك الفعلي والجاد للحفاظ على هذه الأنفاق، وتأهيلها، ودمجها ضمن المسار السياحي للمدينة، لا سيما بعد أن أصبحت السلط نموذجًا عالميًا في التعايش الحضري والثقافي بين مكوناتها الاجتماعية، وتحت حماية منظمة اليونسكو.
وختم بالقول: "مدينة السلط لا تستحق فقط إدراجًا رمزيًا في سجلات التراث العالمي، بل تستحق خطة تطويرية متكاملة تعيد لها حقها في الصدارة، وتجعل من تراثها الحي رافعة سياحية وثقافية واقتصادية حقيقية، تبدأ من باطن الأرض… من هذه الأنفاق التي تنتظر أن يُنفض عنها الغبار، وتُروى قصتها للعالم كما تستحق".