أخبار اليوم - تتواصل حرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة للشهر الثاني والعشرين على التوالي، في وقتٍ تتسع رقعة التدمير لتشمل أحياءً ومربعات سكنية بأكملها في جميع محافظات القطاع، ضمن سياسة ممنهجة باتت تُعرف بين الأهالي بـ"سياسة التفريغ"، التي يقول سكان محليون إنها تهدف إلى اقتلاعهم من بيوتهم ودفعهم نحو النزوح الجماعي تمهيدًا لسيناريو تهجير طويل الأمد.
ومنذ بداية الحرب في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، صعّد جيش الاحتلال من عمليات نسف المباني وتسوية الأحياء السكنية بالأرض، لا سيما في مناطق شمالي القطاع وشرق مدينة غزة، إذ تُستخدم المتفجرات بشكل مباشر لتدمير المنازل بعد إجبار ساكنيها على المغادرة تحت تهديد القصف والقتل.
في خيمة منصوبة على رمال غرب مدينة غزة، يفترش جمال صافي (45 عامًا) الأرض مع أطفاله الستة، بعدما دمر الاحتلال منزله الكائن في بلدة بيت حانون شمال القطاع، ضمن عملية نسف استهدفت الحي بأكمله.
يقول صافي لصحيفة "فلسطين": "أبلغونا بالمغادرة خلال دقائق، ولاحقًا عرفنا أن جيش الاحتلال نسف البيوت واحدًا تلو الآخر، حتى تمكن من مسح بلدة بيت حانون بالكامل. لم يكن هناك أي مبرر، فقط نحن السكان كنا نحاول أن نحيا رغم كل شيء".
ويضيف: "يبدو واضحًا أن الهدف هو تهجيرنا. تم تفريغ بلدتنا بالكامل، ودُفعنا إلى غرب مدينة غزة. وصرنا اليوم نعيش في خيمة لا تصلح لحياة إنسان".
أما سعاد النجار، وهي أم لأربعة أطفال، فتعيش ظروفًا إنسانية صعبة في مخيم نزوح عشوائي أُقيم قرب شاطئ غزة، بعد أن فقدت منزلها في حي الشجاعية شرقي المدينة.
تقول النجار لـ"فلسطين": "كنا في بيت العائلة، بيت ورثناه عن أبينا، فجأة جاءنا إنذار عبر مكبرات الصوت من المسيرات الإسرائيلية، وبعد أن غادرنا لم نعد نسمع سوى أصوات التفجيرات ليلًا ونهارًا".
وتتابع: "هذا ليس قصفًا عشوائيًا، هذا قرار سياسي واضح بإزالتنا من الأرض. نحن اليوم محشورون في خيام، ننتظر الماء والطعام، لا كهرباء، لا دواء، لا حمامات، لا شيء. إنها خطوة أولى لتهجير أكبر".
في خيمة أخرى، يروي محمد زين (52 عامًا) قصته مع نسف منزله في منطقة بيت لاهيا شمال غزة.
"في يومٍ واحد خسرنا كل شيء: بيتنا، حارتنا، ذكرياتنا. لم يكن هناك أي اشتباك، فقط جاء جيش الاحتلال وزرع المتفجرات، وانتهى كل شيء في دقائق"، يقول زين لـ"فلسطين".
ويضيف: "الخوف ليس من الموت، بل من أن يُمحى وجودنا كأننا لم نكن. الاحتلال يريد أن يُفرغ غزة، بيتًا بيتًا، حيًا حيًا، حتى لا يبقى لأحد شيء يتمسك به".
المشاهد المتكررة لنسف المربعات السكنية باتت جزءًا من الروتين اليومي في غزة، حيث تُستخدم الجرافات والمتفجرات لتدمير أحياء بأكملها. ولا تقتصر هذه العمليات على مناطق الاشتباك، بل تمتد إلى أحياء سكنية خالصة.
ويقول مراقبون إن هذه السياسة تأتي ضمن استراتيجية أوسع لتغيير التركيبة السكانية في القطاع، وتجميع النازحين في مناطق ضيقة، تمهيدًا لخطط إسرائيلية تتعلق بإعادة رسم الخارطة الجغرافية والديموغرافية.
وبحسب بيانات منظمات إنسانية، فإن ما يزيد على مليون فلسطيني باتوا بلا مأوى، معظمهم يعيشون في مخيمات غير مجهزة على طول الساحل الغربي للقطاع. وتعاني هذه المخيمات من انعدام شبه تام لمقومات الحياة، وسط تحذيرات من تفشي الأمراض والجوع.
وفي ظل غياب أي أفق سياسي أو ضمانات دولية لحماية السكان المدنيين، تبقى الخيام، بكل ما تحمله من ذل ومعاناة، الملاذ الوحيد لعائلات شُرّدت مرارًا، وتخشى أن تكون هذه المرة الأخيرة التي تلمس فيها أرض الوطن.
فلسطين أون لاين