رهف عيَّاد .. جسد نحيل يختصر وجع أطفال غزَّة

mainThumb
رهف عيَّاد... جسد نحيل يختصر وجع أطفال غزَّة

07-05-2025 09:55 AM

printIcon

أخبار اليوم - داخل مستشفى عبد العزيز الرنتيسي للأطفال بمدينة غزة، تتكئ الطفلة رهف عياد على كتف والديها، في حين تجرّ قدميها بصعوبة في ممرات المستشفى.

جسدها الهزيل، الذي لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره، أصبح صورة حيّة للمعاناة التي يعيشها أطفال قطاع غزة، بفعل الحرب الإسرائيلية الضروس، والحصار الخانق.

كل زيارة تقوم بها الطفلة "رهف" ووالداها للمستشفى تحمل الأمل في علاج يُعيد إليها بعضًا من حيويتها، لكنها أصبحت تعرف أن الأمل في غزة يحتاج معجزة.



"رهف" التي كانت قبل أشهر تلعب وتمرح مع إخوتها في بيتهم بحي الشجاعية شرقي غزة، تحلم اليوم فقط بأن تقف على قدميها دون مساعدة، وأن تمشط شعرها المتساقط، وأن تعود إلى مدرستها وتضحك مع صديقاتها كما كانت.

"ماما، متى سأشفى؟"

بصوت واهن ومتعب، تسأل "رهف" أمها "شروق" هذه الجملة كل يوم، وفق ما قالته لمراسل صحيفة "فلسطين"، وهي تمسح دموعها أمام سرير ابنتها:

"تسألني رهف كل صباح: ماما، متى سأشفى؟ لماذا شعري يتساقط؟ لماذا لا أقدر أن ألعب مع إخوتي؟ وأنا لا أملك أي جواب. أواسيها بالدعاء فقط."



وتقول والدتها بحزن شديد: إن رحلة المرض بدأت منذ نحو ثمانية أشهر، حين اشتكت ابنتي من آلام في ساقيها.

وأضافت: ظننت في البداية أن الأمر مجرد إرهاق، لكن الألم تفاقم بسرعة، وبدأت رهف تفقد وزنها تدريجيًا، ثم لم تعد تقوى على السير أو الوقوف من تلقاء نفسها.

وتتابع وعلامات الحزن ظاهرة على وجهها وهي تتلفت إلى ابنتها: "جسدها بدأ يذوب أمام عيني، ووجهها الشاحب بات ينذر بكارثة."

وتمضي الأم بصوت مرتجف: "أخذناها إلى مستشفيات القطاع، خضعنا لعشرات التحاليل، لكن الأطباء أكدوا أن كل نتائج الفحوصات سليمة، وأن رهف تعاني من سوء تغذية حاد."

وتُخرج الأم هاتفها وتُري صورة قديمة لرهف قبل مرضها: وجه نضر، وابتسامة مشرقة، وشعر طويل وناعم، قائلة بحسرة لمراسل "فلسطين":

"كانت جميلة جدًا، كانت تحب مدرستها، وتتفوق في دراستها، واليوم باتت مثل ظلّها السابق، لا طاقة لها حتى لتبكي."



وأشارت إلى أن الوضع الصحي لرهف تفاقم مع انعدام الدواء المناسب وعدم توفر الغذاء الصحي، فقد تدهورت حالتها إلى درجة باتت تحتاج فيها إلى من يساعدها حتى على الجلوس في سريرها.

علاج مفقود

في حديثه حول حالة رهف، يقول رئيس قسم الجهاز الهضمي والمناظير في مستشفى النصر التخصصي، الدكتور راغب ورش أغا: "رهف تعاني من سوء تغذية شديد نتيجة نقص البروتينات والعناصر الأساسية."

وقال لـ"فلسطين": إن هذه الحالة بدأت تظهر بشكل متزايد بين الأطفال في القطاع بعد الحرب، بسبب غياب الغذاء المناسب ومنع دخول المكملات الطبية.


ويضيف: "الأدوية المتخصصة لعلاج هذه الحالات غير متوفرة بسبب الحصار، فنضطر لاستخدام بدائل علاجية، لكنها أقل فعالية بكثير، وغالبًا لا تحقق النتيجة المرجوة."

وتُعد الطفلة رهف واحدة من آلاف الأطفال الذين باتوا عرضة للموت البطيء في غزة.

وتُظهر الإحصائيات أن أكثر من 70,000 طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، في ظل استمرار إغلاق المعابر ومنع إدخال حليب الأطفال والمكملات الغذائية الأساسية.

مأساة النزوح

وقبل أن تبدأ رحلة العلاج، عايشت رهف وأهلها مأساة النزوح.

فمع بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، أُجبرت العائلة على ترك منزلها في حي الشجاعية والنزوح جنوبًا، وفق ما قالت عياد، مضيفة: "بعد وقف إطلاق النار في 19 يناير 2025، عدنا إلى المنزل فوجدناه قد تحول إلى كومة من الركام."

وتضيف: "لم نجد حتى جدارًا واحدًا سليمًا. فقدنا كل شيء. فلجأنا إلى أقاربنا في منطقة الرمال. الغرفة التي نعيش فيها لا تكفي لأربعة أشخاص، ونحن تسعة أفراد."

وتردف الأم والدموع تتمايل في عينيها: "رهف بحاجة إلى نظافة، إلى هواء نقي، إلى خصوصية في العلاج، لكنها محاصرة حتى في غرفتها."

وكلما نظرت شروق إلى ابنتها، تتذكر الطفلة جنان صالح السكافي، التي توفيت قبل أيام في مستشفى الرنتيسي بسبب سوء التغذية والجفاف، بعد منع الاحتلال دخول المساعدات.

وتمضي الأم بالقول، وهي تضم ابنتها إلى صدرها بقوة، كأنها تحاول حمايتها من الموت نفسه:

"كانت جنان في عمر رهف، وتشبهها كثيرًا، أخاف أن أفقدها كما فقدنا جنان."



صمت القبور

وحذر المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، في بيان أصدره مؤخرًا، من كارثة إنسانية غير مسبوقة تهدد حياة أكثر من 3,500 طفل دون سن الخامسة في غزة، معرضين للموت جوعًا، فيما يعيش نحو 290,000 طفل على حافة المجاعة، مع عجز تام في توفير أبسط احتياجات الحياة.

وفي ظل هذا الواقع، تزداد معاناة العائلات يومًا بعد يوم، وتُترك الأمهات وحدهن في مواجهة المرض والجوع والوجع، دون أمل يُذكر.

ورغم كل شيء، ما زالت رهف متمسكة بالحياة. ما زالت ترسم على دفترها وردة صغيرة، وتكتب بجانبها: "أنا قوية وسأشفى."

وفي المساء، ترفع كفّيها إلى السماء، وتدعو بهدوء: "يا رب، خفف عني."

أما أمها، فتردد دعاءها كل ليلة: "اللهم لا تكتبها شهيدة للجوع، أعد لي ابنتي كما كانت".

 فلسطين أون لاين



news image
news image
news image
news image
news image