"عبد الرَّحمن" .. خمسة أعوام من الألم بين الأنقاض وأنابيب الحياة

mainThumb
"عبد الرَّحمن".. خمسة أعوام من الألم بين الأنقاض وأنابيب الحياة

25-06-2025 11:26 AM

printIcon

أخبار اليوم - على سرير أبيض في مستشفى عبد العزيز الرنتيسي التخصصي للأطفال، شمال غرب مدينة غزة، يرقد الطفل عبد الرحمن سكر، ابن الخمسة أعوام، وقد غطّت الأنابيب جسده النحيل، تُساعده على التنفس وتوصيل الغذاء. صامتٌ هو، لا يقوى على الكلام أو الحركة، وكل ما يصدر عنه همهمات ألم حبيسة تفقده الوعي لساعات طويلة.

إلى جواره تجلس والدته رمزية سكر، بعينين ذابلتين وقلب مثقل بالخوف، ترفع كفّيها إلى السماء بين لحظة وأخرى، تتضرع إلى الله أن يحفظ طفلها الذي يقاتل على جبهة المرض منذ أن كان جنينًا في رحمها، حين تبيّن أنه يعاني من استسقاء دماغي.

دائرة الخطر

وتروي الأم المكلومة، بلهجة يغلب عليها الحزن والرجاء، لصحيفة "فلسطين": "معاناة طفلي بدأت قبل أن يبصر النور. خلال فترة الحمل، كنت أتابع حالته في مجمع الشفاء الطبي – الذي دُمّر لاحقًا في الحرب الضروس – وأخبروني أن الجنين في خطر، وقد لا يعيش طويلًا. لكنه تحدى كل التوقعات".

وُلد عبد الرحمن بعملية قيصرية، ومنذ ذلك اليوم، تحمل الأم أوجاعه على كتفيها، متنقلة به بين المستشفيات والمراكز الطبية في غزة. لم تترك، كما تقول، بابًا إلا طرقته، ولا طبيبًا إلا واستشارته، رغبة في إنقاذ حياته، رغم فقر الإمكانيات والحرب التي تطحن الجميع.

تقول سكر: "كان عبد الرحمن يتحسن ببطء، بدأ في المشي وتعلم النطق، لكن الحرب الأخيرة قلبت حياتنا رأسًا على عقب، خاصة بعد انقطاع الغذاء الصحي، وتوقف العلاج، وانعدام الأدوية الضرورية لحالته، مثل أدوية الأعصاب والتشنجات، والفيتامينات والمكملات الغذائية التي كانت تحسّن وضعه الصحي".

دوامة صحية

منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر 2023، دخل عبد الرحمن، بحسب والدته، في دوامة صحية صعبة، إذ لم تعد المستشفيات قادرة على توفير الحد الأدنى من الرعاية له.



وفي أشهره الأولى، خضع عبد الرحمن لعملية تركيب صمام دماغي لتصريف المياه الزائدة إلى المثانة، لكن المتابعة الطبية لحالته المعقدة باتت شبه مستحيلة، في ظل الحصار المستمر والانهيار شبه الكامل للقطاع الصحي.

وتقيم الأسرة في حي الشجاعية، أحد أكثر الأحياء تضررًا من القصف. ومع بداية الحرب، بدأت الأم رحلة تنقّل شاقة بين المستشفيات: من مجمع الشفاء، إلى المستشفى الأهلي العربي، فمستشفى كمال عدوان، ثم المعمداني، وأخيرًا إلى مستشفى الرنتيسي، حيث يرقد عبد الرحمن منذ أكثر من شهر دون حراك.

لكن عبد الرحمن ليس الطفل الوحيد المريض في الأسرة، فشقيقه الأكبر كريم (7 أعوام) يعاني من ضمور دماغي، وكان يتلقى علاجًا وتأهيلاً جيدًا قبل الحرب، إلا أن العدوان أوقف تعليمه وبرامجه العلاجية، وألحق الدمار بحياته، كما فعل بشقيقه.

وتقول الأم وهي تمسح دموعها: "تنقلت بكريم في أكثر من 30 مركزًا طبيًا وجمعية، وكان يتحسن... ثم جاءت الحرب".

تضيف: "أصبحنا عاجزين عن توفير الحد الأدنى من العلاج، أو حتى الطعام المناسب. نعيش على فتات المساعدات. وكل ما أريده الآن هو تحويلة طبية عاجلة تنقذ عبد الرحمن من الموت البطيء".

تحويلة طبية

لم تكتفِ الحرب بحرمان الأطفال من العلاج، بل طالت المنزل أيضًا. فقدت الأسرة منزلها في حي الشجاعية، وأصيبت رمزية عندما انهار عليهم البيت. تقول بحزن: "أخرجوني من تحت الركام، وحين أفقت، أول ما سألت عنه هو أطفالي".



وتتابع: "خرجت من البيت بلا ملابس، بلا طعام، بلا شيء سوى خوفي على أولادي... فقط أردت ألا أخسرهم".

اليوم، يقيم زوجها وأحد أبنائها في خيمة وسط مدينة غزة، بينما تمضي رمزية أيامها ولياليها إلى جانب عبد الرحمن في المستشفى، عاجزة عن فعل شيء سوى الدعاء له.

وفي ظل الأزمات المتلاحقة، من نقص الأدوية والمعدات، إلى شح الغذاء والماء، تُواصل رمزية مناشدتها للجهات المختصة والمؤسسات الإنسانية بإصدار تحويلة طبية عاجلة تنقذ حياة طفلها.

وتختتم الأم حديثها بمرارة: "لا أطلب الكثير... فقط فرصة لحياة أفضل لابني قبل أن يموت بين يديّ وأنا أراقبه دون حول ولا قوة."



 فلسطين أون لاين