الحرب حين تلبس ربطة عنق وتضع الماكياج

mainThumb
سالي الأسعد – كاتبة وإعلامية

24-06-2025 12:20 PM

printIcon

اثنا عشر يومًا من البروتوكول… والخذلان الصامت
سالي الأسعد – كاتبة وإعلامية

لم نعد نعيش في زمن المفاجآت. حتى الحرب، باتت تخضع لتوقيتات دقيقة، ورسائل مشفرة، واتفاقات غير مكتوبة. تُطلّ علينا من الشاشات لا على هيئة دمارٍ مفاجئ، بل عبر جدول أعمال منظم، كأنها اجتماع طارئ في مؤسسة دولية: ضربة محسوبة، بيان مصاغ بعناية، وردّ فعل لا يخرج عن النص.

خلال اثني عشر يومًا مضت، لم تكن المنطقة مشتعلة كما ظن البعض… بل كانت مضبوطة الحرارة. مشاهد القصف لم تحمل دهشة، لأن الطرف الآخر غالبًا ما كان قد تلقى البلاغ. التحذير يسبق الضربة، والمبنى يُخلى قبل أن يسقط. كل شيء يتم ضمن أُطُر تكاد تكون راقية… لولا أنها تغطي مآسي حقيقية.

تُدار الحروب اليوم بنبرة هادئة، تُراعي الكاميرا، وتحرص على عدم إزعاج الحلفاء. حتى البيانات صارت تُفصّل لتناسب جمهورًا منقسمًا بين من يدين، ومن يساوي، ومن يصمت.

لكن وسط كل هذه الضجة المنظمة، كانت هناك بقعة صغيرة تُحترق بصمت… غزة.

وحيدة، إلا من صلوات أهلها. مَن ظنّ أن الضجيج سيجلب النصرة، خاب. مَن راهن على بيانات الشجب، انكشفت أوراقه سريعًا. فغزة لم تنتظر، ولم تتوسل. قاتلت بما تملك، وصبرت بما لا يملكه أحد.

وفيما كان الكبار يُنسّقون خطوطهم الحمراء والزرقاء، ويتبادلون رسائل “عدم التصعيد”، كانت هي تُعدّ شهداءها بالأسماء. هي لم تكن جزءًا من اللعبة الكبرى. لم تُدعَ إلى الطاولة. لم تُؤخذ مخاوفها بالحسبان. كانت فقط الهدف الذي يُعاد قصفه مرارًا… دون أن يسأل أحد: إلى متى؟

ربما لهذا السبب لم تكن الخسائر كبيرة بما يكفي ليُغضب الكبار. فالحرب، كما يبدو، صارت تُقاس بميزان دقيق: لا إفراط في الدمار… ولا إفراط في الصراخ.

أما اللاعبون الحقيقيون، فلا يظهرون على المسرح. يحركون الخيوط من بعيد، يدعمون هنا، ويعارضون هناك، لكن دون أن تتغيّر قواعد اللعبة. طرفٌ يملك الطائرات، وآخر يملك الخطابات، وبينهما شعب لا يملك إلا الله.

نحن، في هذه الرقعة من العالم، نعرف متى تُقال الحقيقة، ومتى تُؤجل. نعرف أن بعض الحروب لا تُخاض بالسلاح فقط، بل بالصبر، وبالقدرة على البقاء رغم كل شيء. وأن بعض المعارك تُخاض من أجل أن يبقى المكان في الذاكرة، لا في نشرات الأخبار.

الاثنا عشر يومًا لم تكن الأعنف، لكنها كانت الأكثر كشفًا. فضحت خذلانًا، وعرّت ازدواجية، وأعادت إلينا حقيقة كنا نعرفها ونتجاهلها: أن في هذا العالم، هناك شعوب تقاتل وحدها، وتُدفن وحدها، وتُذكر… فقط حين يُناسب ذلك العناوين.

لكن غزة؟
هي تعرف طريقها. لم تنتظر أحدًا يومًا، ولن تنتظره غدًا. لأنها ببساطة… تعرف من معها، ومن عليها، ومن فوقها.