أخبار اليوم - حلم بأن تُروى قصة غزة للعالم عبر معرضه "ما بين السماء والبحر"، واختطف القصف الإسرائيلي حياته على شاطئ المدينة.
إسماعيل أبو حطب صحفي غزي، استشهد أمس، إثر قصف الاحتلال كافتيريا كان يتواجد فيها، متسببا بمجزرة أسفرت عن عشرات الشهداء والجرحى.
رحل أبو حطب في المكان ذاته الذي جعله عنوانا لمعرضه الفوتوغرافي “ما بين السماء والبحر”، حيث كان يرى أن بين موج البحر والقصف، هناك شباب يتمسكون بالحياة رغم الموت.
«بين السماء والبحر، يجرؤ شباب غزة على العيش»، كتب أبو حطب في حسابه بفيسبوك في 10 مايو/أيار الماضي. كلمات تختصر جوهر مشروعه الذي حمله إلى العالم من قلب الحصار. ففي الوقت الذي كانت فيه طائرات الاحتلال تدك غزة، كان هو يعد معرضه عن بعد، من وسط الخيام والركام، ويرسل صوره إلى أمريكا ليحكي للعالم عن نزوح شعبه قسرا، عن الرمل، عن الحصار، وعن أطفال البحر المحرومين من الطفولة.
معرض "ما بين السماء والبحر" هو سرد بصري حي من غزة المحاصرة. جمع فيه أبو حطب عشرات اللقطات التي وثقها خلال حرب الإبادة المستمرة للشهر الـ21 تواليا، لتكون الشهادة على النزوح والمآسي، على الحياة تحت الخيمة، وعلى كاميرا لا تعرف الخوف.
في الثالث من مايو/أيار، يوم حرية الصحافة، كتب أبو حطب: "في غزة، تُستهدف الكاميرا، وتُقصف الكلمة، ولا تحمي السترة من الصواريخ. هذه الصورة التُقطت في قلب الدمار، حيث استشهد أكثر من 212 صحفي منذ بداية الحرب... أُسكتت العدسة، لكن الحقيقة لا تزال تُكتب على الركام".
بعد غياب أكثر من عام، توقف فيه صوته وعدسته قسرا بسبب الإصابة والنزوح والحرب، عاد أبو حطب بالصورة وبالرواية وبالحلم الذي لم ينكسر.
حينها كتب: "اليوم، وبمشاعر لا أستطيع أن أصفها بالكامل، أشارككم بعض الصور من معرضي الفوتوغرافي التركيبي الجديد: ما بين السماء والبحر الذي تم تنظيمه في لوس أنجلوس بالتعاون مع شركاء رائعين، عبر منصة BYPA - By Palestine".
"من وسط غزة، من تحت القصف والنزوح والوجع، صممت هذا المعرض عن بعد، ليحمل قصة أهلنا الذين لم يجدوا ملجأ سوى شاطئ البحر... ليحكي عن النزوح القسري، عن الخيام الهشة، عن الصمود المذهل وسط العدم"، كلمات شرح بها الصحفي معرضه.
ولم ينس تنبيه العالم إلى أن "في كل لقطة، هناك روح. في كل صوت داخل الخيمة، هناك ذاكرة. في كل تفصيلة، هناك نبض غزة... الذي لا يخبو"، شاكرا "كل من آمن أن الصورة قادرة أن تعبر البحار، أن تهزم الجدران، أن تروي الحقيقة".
وأمس، أسكت القصف العدسة الأخيرة لـ"أبو حطب"، لكنها تترك خلفها أرشيفا يروي قصة جيل، ومأساة وطن. استشهد بعد أن نجا في نوفمبر/تشرين ثان الماضي من إصابة خطيرة إثر توثيقه قصف برج الغفري، يومها أبعدته الشظايا عاما عن التصوير، لكنه عاد بعدها بقوة. عاد ليقاوم بالصورة، بالصوت، بالأمل... قبل أن يسكت إلى الأبد.
كان من المفترض أن يُدرب مجموعة من الصحفيين في غزة على الأمان الرقمي هذا الأسبوع، بحسب ما كتب المحامي عبد الله شرشرة في فيسبوك، لكن أبو حطب صار نفسه عنوانا في ملف انتهاكات الاحتلال. وصار اسمه ضمن قائمة 228 شهيدا صحفيا منذ بدء الحرب، بحسب معطيات رسمية.
الصحفي مثنى النجار نعاه بالقول: "صاحب معرض خيمة في وسط لوس أنجليس الأميركية، ارتقى من بين الشهداء في غارة استراحة (على شاطئ البحر). حاول من خلال منصة By Palestine أن ينقل مأساة غزة للعالم عبر معرض تركيبي عنوانه 'ما بين السماء والبحر'... وقد غيّبه القصف على شاطئ البحر نفسه الذي أحبَّه وكتب عنه".
سكت أبو حطب، لكن ما "بين السماء والبحر" سيظل صوته شاهدا على جرائم الاحتلال.
المصدر / فلسطين أون لاين