أخبار اليوم - تعرض في نشرات إخبارية صور لمن يعتبرون رؤساء “حماس الخارج”، بينهم خالد مشعل، زاهر جبارين، خليل الحية وغيرهم، ومعظمهم لا يعنون أي شيء بالنسبة لمعظم مواطني إسرائيل. هؤلاء -حسب الرأي القاطع للمحللين- هم الذين يجب قطع رؤوسهم إذا رفضت حماس الاقتراح الأخير للصفقة. وكأن مصيرهم في أيديهم، وتهديد حياتهم وسيلة الضغط المطلق.
أما قائمة “الزعماء الكبار” الذين قتلهم لم يدفع قدماً بتحرير المخطوفين، على رأسهم إسماعيل هنية، فقد نسيت. هكذا أيضاً رؤساء الأركان وقادة الفرق ورؤساء أجهزة الاستخبارات وقادة الألوية والكتائب في حماس الذين اغتالتهم إسرائيل بالجملة. بقي نوابهم ورؤساء خلايا وقادة مناطق ومدراء أنفاق ونواب شخصيات رفيعة ونواب نواب وكل أصحاب المناصب الذين يواصلون احتجاز المخطوفين وإدارة معارك حرب عصابات قاتلة ضد الجيش الإسرائيلي ويقررون متى وهل وبأي طريقة ستتقدم الصفقة.
ثم صعوبة هنا. إذا كانت تصفية رؤساء حماس الخارج هي الوسيلة لتحقيق تحرير المخطوفين، فلماذا تطرح المطالبة بنفي رؤساء “حماس الداخل” من غزة كشرط آخر للموافقة على الصفقة؟ لماذا سيوافق رؤساء حماس في غزة على الانضمام إلى أصدقائهم في حماس الخارج إذا كانت حياتهم في الأصل مهددة؟
قبل سنة تقريباً، طلبت إدارة بايدن من قطر إبعاد قيادة حماس الخارج من أراضيها، وطلب أعضاء في الكونغرس الأمريكي فرض عقوبات عليها إلى أن تعلن قيادتها بأنها تنسحب من إدارة المفاوضات. بسرعة، تبين أنه بدون قطر لا يمكن إجراء مفاوضات مع حماس، وفي الوقت نفسه، تبين أن رافعة الضغط لقطر على حماس غزة وعلى قرارات القادة الميدانيين في حماس، تبدو محدودة.
عُرف أن قطر يمكنها التوسط، ولكن لا يمكنها اتخاذ قرارات بدلاً من حماس وباسمها، وكان تأثيرها حقيقياً
، حيث مولت نشاطات حماس وشغلت جهازها المدني ودفعت رواتب الموظفين والمجندين وساهمت في إعادة إعمار غزة بعد كل عملية عسكرية لإسرائيل. كل ذلك كان بإذن وصلاحية الحكومة الإسرائيلية. ومثلها مصر، كان يمكنها استخدام أداة تأثير ما دامت تجلس على صنبور اقتصادي يغذي قطاع غزة وحماس عبر معبر رفح. هذه أداة توقفت بعد سيطرة الجيش الإسرائيلي على محور فيلادلفيا والمعبر.
النتيجة الآن أن الولايات المتحدة، بصورة غير مسبوقة، تجري مفاوضات مباشرة مع حماس ولم تسمع ضدها أي شكوى بسبب خرق المبدأ الأساسي القائل بأنه لا يتم إجراء مفاوضات مع منظمة إرهابية. حتى إن ترامب لم يعد يهدد بفتح باب جهنم على غزة إذا لم توافق حماس على خطة الصفقة. جهنم تقف مكلومة أمام ما يحدث في غزة.
ادعاء آخر في نظرية الضغط يقول إن “نقل” السكان في غزة من الشمال إلى الجنوب، وتركيزهم في منطقة صغيرة، وهي العملية التي وصفت كسيطرة على 75 في المئة من القطاع، ستمكن إسرائيل من إدارة “حرب ضروس” ضد حماس، وهي متحررة من القيود المدنية، وإنها عملية ستحرم حماس من السيطرة على الأرض وستبعد تهديدها. ولكن الجيش الإسرائيلي، حسب شهاداته، أصبح قريباً جداً من السيطرة على الـ 75 في المئة وربما أكثر، ويستمر قتل الجنود، وما زال المخطوفين في الأنفاق، يتنفسون وجبة الأوكسجين الأخيرة.
إذا كانت السيطرة على الأرض هي نقطة أرخميدس التي تمثل الضغط الذي سيحدثه الانقلاب، فما فائدة العملية التي ستنجم عن القضاء على قيادة حماس باستثناء إطلاق سراح الرهائن؟ الجواب المشوش على ذلك يقول إن هذه أهداف منفصلة. المس بقيادة حماس الخارج يرتبط بصفقة المخطوفين. والسيطرة على الأرض تستهدف إبعاد بقايا حماس وضمان أمن سكان غلاف غزة. ولكن رئيس الأركان قدر بأن “حماس ماتت”، وقيل لسكان الغلاف إن “المنطقة آمنة”، وإنه لا مانع من عودتهم إلى بيوتهم.
هذا الادعاء لا يشمل تناقضاً داخلياً فقط، بل يطرح رؤية استراتيجية خطيرة تقول بأن وجود الجيش الإسرائيلي في المناطق التي احتلها في القطاع هو الحل الشامل الوحيد وبعيد المدى لتهديد حماس. هذه النظرية المحدودة تتجاهل أن التهديد الذي يتطور في غزة لا يستند فقط إلى بقايا حماس أو الإمكانية الكامنة في سيطرتها المدنية في القطاع.
يعيش في غزة أكثر من مليوني شخص، مروا ويمرون بالكارثة الأكثر قسوة في حياتهم وفي تاريخ الشعب الفلسطيني، التي لا يمكن قياسها بعدد القتلى الذي يتراوح 50 – 100 ألف شخص؛ مئات آلاف المصابين والمعاقين والأيتام والأرامل؛ أو بتأثير الجوع الشديد والأمراض وفقدان المستقبل الشخصي لجيل بأكمله. هذه الصدمة الوطنية لن تتعافى بمساعدة عشرات أو مئات شاحنات المساعدات الإنسانية أو رزم الغذاء، التي دفع سكان غزة حياتهم مقابل الحصول عليها. غزة هي الأرض الخصبة التي تنمو فيها المقاومة الوطنية، وستزداد وتتعاظم وتصبح كفاحاً مسلحاً، وسيتعين على إسرائيل محاربته بشكل دائم ودموي.
هذه المقاومة لن تسمى حماس أو الجهاد الإسلامي، وستنشأ تنظيمات، وعصابات ومليشيات، لن تحتاج إلى صواريخ بعيدة المدى أو مسيرات متفجرة. عندما يكون العدو بينهم، فالسلاح الخفيف المتوفر بكمية كبيرة والقنابل اليدوية والعبوات الجانبية المرتجلة ستكون هي وسيلة القتال الناجعة لهم. عندها ستكتشف إسرائيل، ليس للمرة الأولى، بأن احتلال الأرض كان المرحلة الأسهل في الحرب، بالضبط مثل ما واجهه الجيش الأمريكي في أفغانستان والعراق، ومثل ما واجهته إسرائيل خلال 18 سنة في لبنان.
يمكن الحلم بالطبع بـ “حل نهائي”، يطرد كل سكان القطاع إلى “أماكن جميلة”، كما حلم ترامب؛ والحلم بـ “الهجرة الطوعية” و”نقل جغرافي خارج الحدود” أو “فتح جدار الفصل مع مصر”. الاستطلاعات “ستثبت” أن معظم سكان القطاع معنيون بالانتقال إلى سويسرا، أو على الأقل إلى إندونيسيا. في الوقت نفسه، يجب التذكر أيضاً بأنها عملية قد تؤدي ليس فقط إلى موت التطبيع مع السعودية، بل تصفية اتفاقات السلام مع مصر والأردن.
يجب أن يعتمد الافتراض الواقعي على أنه سكان غزة سيعيشون في المستقبل القريب في خيام، وأن دولة إسرائيل ستتحمل المسؤولية عن توفير احتياجاتهم، وعلى الجيش الإسرائيلي إدارة ما بقي من “نسيج حياتهم”. حتى الآن فشلت إسرائيل في كل ما يتعلق بالمعالجة الإنسانية. “صندوق المساعدة الإنساني لغزة”، الذي لا تؤكد إسرائيل على أنها تموله، أقام مراكز توزيع للطعام أصبحت ساحات قتل؛ والخدمات الصحية مفهوم نظري في القطاع؛ وعصابات مسلحة عنيفة أصبحت “قوة حماية” برعاية إسرائيلية.
ما زلنا نذكر التنبؤات الكاذبة التي -تحت الضغط الإسرائيلي- سيثور الجمهور الفلسطيني ضد حماس وسيسقط حكمها. هل استعدت إسرائيل لاحتمالية أن نفس هذا الجمهور الفلسطيني، الذي لم يعد لديه ما يخسره، ولكنه مستعد للقتل من أجل الحصول على كيس طحين أو علبة تونا، سيخرج بجموعه ضد قوات الجيش الإسرائيلي؟ هذا هو معنى الفخ القاتل الذي يسمى “الاستيلاء على الأرض”. ليس لإسرائيل خطة عمل أو خطة تترجم “الاستيلاء على الأرض” إلى سيطرة مدنية محلية لن تلقي على إسرائيل المسؤولية عن إدارة القطاع. ولا تعرف كيفية إدارة القطاع أثناء وقف إطلاق النار، إذا تحقق، لكنها مستعدة لحرب أبدية.
تسفي برئيل
هآرتس 4/7/2025