أخبار اليوم - في أحد أزقة شارع الصحابة، كان الطفلان فارس (10 أعوام) ومهند عطا الله (8 أعوام) يجرّان خلفهما عربة بدائية الصنع، ابتكراها من صندوق بلاستيكي قديم يُستخدم عادةً لنقل الخضار، ثبّتاه على عجلتي دراجة هوائية صغيرة، وربطاه بحبلين إلى جانبيهما ليسحباه.
داخل الصندوق، كان جالون ماء أزرق كبير يهتزّ مع كل خطوة، وينسكب الكثير منه على الطريق، بينما يحاول الطفلان عبثًا الحفاظ على توازنه فوق الأرض غير المستوية.
وقال فارس، وهو يمسح العرق عن جبينه لـ "فلسطين أون لاين": "ذهبنا منذ الصباح الباكر إلى بئر ماء بالقرب من شارع الوحدة، انتظرنا طويلًا في الطابور، وعدنا بسرعة لأن أمي تحتاج الماء للطبخ."
أما مهند، فأضاف بنبرة بريئة ممزوجة بالحسرة: "كل يوم نرجع ومعنا أقل من نصف الجالون، بس أمي بتحكي الحمد لله، على الأقل نطبخ ونسقي إخوتنا الصغار."
مشهد الطفلين لا يمرّ مرور الكرام في حيّ أنهكته الحرب؛ فالماء هنا بات مسؤولية يتقاسمها الصغار والكبار، ولا شيء يُجسّد هذه المعاناة مثل عربة مرتجلة وجالون يتناقص يومًا بعد يوم.
مياه مقطوعة منذ أسبوعين
في بيان رسمي، أوضحت بلدية غزة أن شارع الصحابة، الواقع في حيّ الدرج شرق المدينة، إلى جانب مناطق أخرى، يعاني من انقطاع المياه بسبب تعذّر الوصول إلى محابس توزيع المياه الرئيسية لخط "ميكروت" شرق المدينة، وآبار الصفا المركزية الواقعة على شارع صلاح الدين، نتيجة الظروف الأمنية واستهداف الاحتلال لهذه المنشآت.
في أزقة حيّ الدرج، لا شيء يُرطّب العطش المتراكم منذ أسبوعين. لا ماء في الصنابير، ولا في الخزانات، ولا حتى في الدِّلاء المخبّأة لوقت الحاجة. وحدها خطوات النساء والأطفال على الإسفلت الساخن، وهم يحملون الجالونات البلاستيكية صباحًا، تشي بأن الناس هنا ما زالوا يقاومون العطش رغم الحرب.
وبحسب جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، فإن أكثر من 65% من سكان مدينة غزة لا يحصلون على مياه كافية للشرب أو الاستخدام المنزلي، ما يهدّد بانتشار أوبئة، خاصة مع تكدّس العائلات في المنازل ومراكز الإيواء.
الماء بدل الدواء
كل صباح، تخرج أم أكرم عليان (45 عامًا) من منزلها قرب تقاطع الصحابة والنفق، وتسير قرابة كيلومترين إلى أقرب بئر في حي الرمال، لتعبئة جالون ماء سعته 20 لترًا.
تقول، وهي تضع الجالون فوق عربة بلاستيكية مربوطة بحبل: "أنا مريضة في ظهري، لكن ما في حل. زوجي مريض ولا يستطيع المشي، وأولادي صغار. أذهب وأعود، والماء يُسكب في الطريق، لكننا نستخدم كل قطرة."
في ظل غياب البدائل، بات كثير من سكان حيّ الدرج يلجؤون إلى جلب المياه من آبار خاصة أو مناطق بعيدة على عربات يدوية، أو بحمل الدلاء على الأكتاف.
أما من لا يملك القدرة على جلب الماء، فعليه أن يدفع ثمنه. يقول الحاج خليل حرز (62 عامًا): "أدفع كل يوم 5 شواقل لشاب يملأ لي جالونين من البئر ويوصلهما إليّ. لا أستطيع حملهما، لكن هذا المبلغ يوميًا يعني أنني لا أشتري فاكهة أو دواء. الماء صار سلعة تُقايَض بالحاجة."
ويضيف: "منذ أسبوعين وأنا أكرّر هذا الأمر. أحيانًا أضطر لجر الجالونين بنفسي والتوجه بهما إلى البئر عصرًا، رغم أن صحتي لا تسمح، لكن لا خيار أمامي."
شح المياه يسبب أمراضًا
وتقول أم علاء راشد (40 عامًا): "بسبب أزمة المياه، أصبحت أُؤجل الغسيل إلى مرة أسبوعيًا، والاستحمام لأطفالي مرتين فقط، رغم ارتفاع الحرارة والعرق الشديد، ما أدى إلى إصابة بعضهم بطفح جلدي وحكّة."
وتضيف لـ "فلسطين أون لاين": "كل شيء يمكن تحمّله إلا انقطاع المياه، فهي عصب الحياة. تحمّلنا الجوع، لكن لا يمكن تحمّل العطش، ولا الأمراض التي بدأت تنتشر بسبب شحّ المياه، في وقت تعاني فيه المراكز الصحية والصيدليات من نقص حاد في الأدوية."
بلدية غزة: نعمل على إعادة الضخ
وفي تصريح صحفي، أوضحت بلدية غزة أن المناطق المتأثرة بانقطاع المياه تشمل: شارع الصحابة والمناطق المحيطة، وتقاطع السدرة، وشارع النفق ومحيطه، ومنطقة السامر، ومحيط المسجد العمري،
ومسجد السيد هاشم، وحي الدرج والكمالية، وأجزاء من شارع المشاهرة وغرب حي التفاح.
وأكدت البلدية أنها تبذل جهودًا حثيثة للتنسيق مع الجهات المعنية والسماح للطواقم بالوصول الآمن إلى محابس التوزيع وآبار الصفا، بهدف استئناف ضخ المياه وإعادة الخدمة للسكان في أقرب وقت ممكن، حال توفرت الظروف الميدانية الآمنة.
فلسطين أون لاين