سهم محمد العبادي
في الأزرق يوم أمس... كنتُ هناك، بمعية النائب محمد جميل الظهراوي، يتقدمنا نقيب الصحفيين الزميل طارق المومني ونائبه الزميل عوني الداوود وأعضاء مجلس النقابة رشدي القرالة وراشد الرواشدة و الزميل محمد التل المستشار في رئاسة الوزراء والزملاء الصحفيين نشأت الحلبي وطلال غنيمات وماهر أبو طير والمستشار القانوني للنقابة الأخ محمود قطيشات والعبد الفقير لله أنا. دخلناها كما يُدخل الأردني ديوان أهله: بقلوب مفتوحة، وعزائم طيبة، ونوايا لا تعرف إلا الصفح.
ذهبنا إلى عشائر بني معروف لا نحمل معنا إلا خيط محبة، وشعلة تقدير، نُريد بها أن نطوي سوء فهم عابر، حصل مع الزميل العزيز ماهر أبو طير، الذي أعرفه جيدًا منذ سنين طويلة... صاحب القلم النظيف، والفكر الحر، والضمير الحي. كنا نختلف أحيانًا، ونتفق كثيرًا، لكن ما اختلفنا يومًا على الوطن، ولا افترقنا على النية.
سوء الفهم كان ابن لحظته، وزيارتنا كانت ابنة الوفاء. لم نذهب مُجبرين، بل ذاهبين على سُنة الرجال الذين يقدّرون الكلمة، ويعرفون أقدار الناس، ويعتذرون إن لزم الأمر بلا خجل ولا كبرياء... فالشرف ليس في العناد، بل في رجاحة العقل، وسلامة النفس.
دخلنا الأزرق فشعرنا كأننا في السلط، أو الطفيلة، أو الكرك، أو عجلون... هذا وطن واحد، وأهله بيت واحد، وأرضه لا تفرّق بين أحد. استقبلنا بني معروف كما يستقبل الأردني ضيفه: صدره قبل ديوانه، وتاريخه قبل كلامه.
ومن اللحظات التي ستظل تسكن في القلب ولا تغادره، أنني كنت سعيدًا بأن أتعرف على شيخنا الجليل، ذلك الرجل الذي نعرفه قبل أن نراه، نقرأه في مواقفه، ونسمعه في صمته. وما إن سلّم عليّ حتى قال: "أعرفك من كتاباتك، ومن دفاعك الشرس عن هذا الوطن وهويته وأهله"، فوالله لقد كان ذلك وسامًا وضعه على صدري بكلمة، لا بمنصب، ولا بإطراء... بل بحب وطني خالص، لا يشوبه إلا الشرف.
فكان لي شرف الزيارة، لا مجرد مرافقة، فهؤلاء الكبار إذا ساروا معك، رفعوك، وإن جلسوا إليك، أنصفوك، وإن أحبّوك، أغنَوك عن الدنيا كلها.
منذ أن خطونا داخل البيت العامر وجدنا فيه الأردن. وجدنا عبق النخوة، وسكينة الحكمة، وسرديات طويلة من الوفاء والتضحيات. رجال لا تُسيء إليهم الكلمة، لأنهم أكبر من الخطأ، وأرحب من الزعل. صفحوا، وعلّمونا، وأهدونا درسًا من مواقفهم الكريمة الخالدة، وأن الأصل راسخ لا تهزّه الرياح.
كان في أحاديثهم الوطن كله، وكان في أعينهم تاريخ لا يُباع ولا يُشترى. لم نرَ غرورًا، ولا سمعنا عتابًا، بل رأينا الكرم النبيل حين يكون الصفح من شيم الأحرار.
ولأنني أؤمن أن كل شيء في هذا البلد هو هبة من الله ولطف من هذا الشعب، فإنني أُدين بالشكر لأخي ماهر، الذي – وإن كان الخطأ غير مقصود – فقد فتح لنا بابًا نحو أهلٍ كنا نعرفهم من بعيد، فتعرّفنا إليهم من قريب، ورأينا فيهم مرايا للأردن النقيّ، الأردن الذي نُحب.
نشكر عشائر بني معروف، أهل التاريخ النضالي، وأصحاب المجد الذي لا يحتاج إلى بيان. نشكر حكمتهم، ونُقبّل على جبينهم خُطى الأجداد الذين حفروا أسماءهم في تراب هذا الوطن.
ونُقسم أن الأردن سيبقى، ما دام فيه رجال إذا خاصموا أنصفوا، وإذا اختلفوا سامحوا، وإذا اعتذر إليهم أحد، فتحوا له قلوبهم قبل بيوتهم.