سهم محمد العبادي
ما يقارب 98 ألف طالب يحق لهم اليوم التقدّم للقبول في الجامعات الأردنية.
في المقابل، الطاقة الاستيعابية للجامعات لا تتجاوز 46 ألف مقعد سنويًا.
أرقام لا بأس بها، بل جميلة.
وجيل أجمل، يحمل كل فرد فيه طموحًا مشتعلاً: أن يبني نفسه، أن يخدم وطنه، أن يخطّ لنفسه مستقبلاً فيه بصمة لا تُنسى وأثر لا يُمحى.
لكن — وهذه "لكن" الموجعة —
في ظل حكومات لا تملك سوى لغة التحديات والمعيقات، ماذا ننتظر؟
لم نسمع يومًا مسؤولًا يخرج ليبشّرنا بخير مرئي،
لا نريد وعودًا تُقال، نريد وقائع تُرى.
أدنى درجات الكرامة أن ترى الخير، لا أن يُلقَى في أذنك ثم يُسحَب من واقعك.
هذه الفرحة العارمة التي يعيشها الأهل اليوم بنجاح أبنائهم،
ستصطدم بعد سنوات قليلة بجدار الحقيقة:
لا وظائف،
لا شواغر،
لا في القطاع العام ولا الخاص.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
نحن لسنا الدولة الوحيدة في هذا الكوكب التي يزداد فيها عدد السكان،
ولا نحن الوحيدين الذين يخرّجون آلاف الطلبة كل عام،
لكننا — وبكل أسف — الدولة التي تعاني من فراغ فكري حكومي في خلق الفرص.
لا مشاريع كبرى، لا خطط وطنية جادّة، ولا إرادة لفتح آفاق جديدة لهذا الجيل.
سمعت قبل أيام من مسؤول أن في الأردن 4000 طبيب لا يجدون عملًا،
وأنا على يقين أن القرى والمخيمات والبوادي والمحافظات تحتاج إلى ضعف هذا الرقم لتغطية الحد الأدنى من الاحتياجات الطبية.
أنا شخصيًا ما زلت أعيش في قرية، المركز الصحي فيها يعمل حتى الظهر فقط،
ثم نعود إلى زمن 1965، لا طبيب، لا طوارئ، ولا حتى أمل في التحويل.
وإذا ذهبنا إلى ما يسمونه "مشاريع كبرى"،
وجدناها بلا أثر،
وحتى إن وُجدت، فهي محجوزة لأصحاب العلاقات،
لأبناء "س" و"ص" ومن رُضِيَ عنهم.
لماذا يتحوّل الشاب الأردني إلى متسوّل واسطة؟
لماذا تتحوّل الفتاة الأردنية إلى منتظرة طارئة لمكالمة رحمة؟
لماذا نربي أجيالًا على الطموح، ثم نقدّم لهم العدم على طبق من يأس؟
هذا ليس وطنًا يُدار،
بل حكاية امرأة فقيرة كانت تُغلي الحصى لأولادها كي يناموا على صوت الغليان،
لا على طعام مشبع.
غفوا من الجوع، لا من الشبع.
وهذا بالضبط ما يحدث هنا:
نغفو على أحاديث الخُطط، ونصحو على الخيبة.