المجالي يكتب: هل غادر ؟

mainThumb
المجالي يكتب: هل غادر ؟

01-09-2025 10:24 AM

printIcon
عبدالهادي راجي المجالي

أنا لا أعرف ... ولكن ما أعرفه أن دجلة كانت تستفز فيه الروح إذا ألقى بيانه ، ما أعرفه أن القباب الشامخات في مكناس وصفقاس والقيروان وتلمسان ... تعلو أكثر ، وتنادي على الحمام كي يطلق هديله من فوقها ... حين ينهي قراءة البيان .

إقرأ بيانك يا فتى .. إقرأ .

إن عيون الصبايا في أحياء القاهرة القديمة كانت تذرف الدمع حين تقرأ ...صوتك كان حناء الجديلة ، ونبض الشعب ، وكان الطهر بحد ذاته ....

إقرأ بيانك ...يا فتى .

لقد استوى البلح على النخل بعد كل محاضرة في معنى الشرف العربي كنت تتلوها علينا ، والرمل في الجزيرة استعاد خطى علي وخالد والفاروق ... واستعدت ( ذو الفقار ) كان صوتك أحد من نصله ..أتدري أني لم أشاهد اللغة العربية تشمخ مثلما نطقها لسانك ، سمعتها في شعر الجواهري وقرأتها في المعلقات .. أنت مختلف عن الشعراء ، أنت كنت تقرأ اللغة النازفة ...أن كنت الشموخ فوق الشموخ ..والدم القاني الخضيب المطهر .

إقرأ بيانك يا فتى .. إقرأ .

ستبقى الأجيال تحمل صورتك في الدفتر ومحفظة الجيب ، في القلب وجدران المنازل ...ستبقى في أحداق العيون ..في مسارات العاشق الوطني ، في أعلام الدول ... وتواريخ الإستقلال ... أصلا أنت من صنع لنا الإستقلال ، حين كنت تعلن في كل بيان بأنها منازلة لا مجال فيها إلا للنصر أو النصر ...أنت من جعلت القلب يستقل من خوفه ، من جعلت الدم يتمرد على الوريد .. وأسست نهجا للشباب العربي ، سيسير فيه الملايين زحفا ...إلى التراب الذي حين كنت تمشي عليه ... تحلق الحصى كي تلمس قدمك ، أي وطن هذا الذي يعلن فيه التراب موقفا ... وتصمت العواصم ...؟

إقرأ بيانك .. إقرأ .

أنت الوحيد الذي كانت السبابة لديه حين ترتفع كأنها تصدر قرارا .. أنت الوحيد الذي جعل خيوط الشماغ الأحمر تقاتل ، وجعل الصوت .. كأنه نداء جاء من الجنة ، أنت الوحيد الذي حين كان يقرأ البيان .. تسمع له النوافذ والصور المعلقة على الجدران وفناجين القهوة ، وتصمت الريح والعصافير....وتنصت لك أسقف المنازل ، والمفاتيح ...

إقرأ بيانك يا هذا الفتى العربي .. إقرأ .

قنوات الخذلان ...وعرب الفجيعة يصفونك بالقتيل ، نحن القتلى يا ابن دمي ... حين يذبح الضمير وتستباح المروءة ماذا يبقى ؟ ....يكرهونك لأن صوتك لم يكن صوت ذلة أو خنوع ، كان صوت الحقيقة ... وصدى الكبرياء ، يكرهونك لأنك ...لم تطلب الرضى منهم ، طلبت الرضى من الله وحده ، يكرهونك لأنك يوسف .. كنت الأجمل والأحلى والأغلى فيهم ...وكانوا الجب ، والقحط .. والجراد ...

إقرأ بيانك أيها الفتى ...

وتأكد أن اللغة العربية سنعلمها لأولادنا من فمك ، وتأكد ايضا ...أننا سنعلم السبابات في أصابعنا حين ترتفع بالشهادة .. أن تكون استقامتها مثل استقامة سبابتك .. تأكد ايضا أننا سنضيف كتابا آخر للمكتبة العربية يعادل نهج البلاغة .. وسنسميه نهج ( ف ل س ط ي ن ) ...وسنضع صورتك على الغلاف .

إقرأ بيانك يا فتى ...

هذه أمة ماتت وأنت الحي فيها .. أنت الحي ، أنت الحي ، أنت الحي .