من التمويل إلى الإنجاز: كيف يحوّل الأردن تحدياته إلى فرص تنموية حقيقية

mainThumb
من التمويل إلى الإنجاز: كيف يحوّل الأردن تحدياته إلى فرص تنموية حقيقية

02-09-2025 03:16 PM

printIcon

أ. د. أمجد الفاهوم

في خطوة تعكس أهمية موقع الأردن في معادلة الاستقرار الإقليمي، أصدر البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD) في تموز 2025 تقريره التشخيصي حول الاقتصاد الأردني، والذي أكد قدرة المملكة على مواجهة الصدمات الخارجية، سواء تلك الناجمة عن التوترات الإقليمية أو عن تقلبات الاقتصاد العالمي. فقد أشار التقرير إلى أن الأردن تمكّن من الحفاظ على توازن سياسي ومالي، في وقت تتعاظم فيه التحديات أمام كثير من دول المنطقة.

لكن ما بين سطور التقرير برزت إشارات بالغة الأهمية لا تقل وزناً عن الإشادة بالثبات. فقد أورد التقرير جملة من التحديات التي تعيق تسارع النمو الاقتصادي، أهمها ضعف معدلات النمو في القطاع الخاص، وارتفاع تكلفة ممارسة الأعمال، إضافة إلى ضيق المساحة المتاحة أمام الموازنة العامة للحركة، وهو ما يستدعي – وفق التقرير – إصلاحات جوهرية في قطاع الطاقة والسوق المالية، إلى جانب تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص.

إن قراءة هذه التوصيات تفتح الباب لنقاش وطني عميق حول الأسلوب الأمثل لتوظيف التمويل الخارجي والداخلي على حد سواء. فالأموال وحدها لا تصنع التنمية إذا لم تقترن بخطط إنتاجية واضحة، وبرامج تشغيلية تستوعب طاقات الشباب، وتبني على القطاعات الواعدة مثل الصناعة والتكنولوجيا والاقتصاد الأخضر. وهنا تبرز الحاجة إلى ربط التمويل بمشروعات إنتاج وتشغيل لا تقوم على اجتهادات فردية أو مصالح ضيقة، بل على أفكار ريادية بنّاءة، يتبناها أصحاب كفاءة وفكر استراتيجي ممن أثبتت تجاربهم السابقة قدرتهم على تحويل التحديات إلى فرص، وعلى تحقيق إنجازات حقيقية ملموسة.

لقد دفع الأردن أثماناً باهظة في مراحل سابقة جراء تركيز بعض الجهات على جني الثمار دون أن يزرعوا بذورها، فكانت النتيجة مبادرات لم تكتمل، أو مشاريع توقفت عند حدّ الشعارات. أما اليوم، فإن الدرس الأبرز الذي يقدمه تقرير البنك الأوروبي هو أن الإصلاح الاقتصادي لم يعد ترفاً بل ضرورة وجودية، وأن ربط التمويل بالإنتاج والتشغيل هو السبيل لضمان استدامة النمو، وإلا تحولت المساعدات إلى مجرد حقن مؤقتة لا تسمن الاقتصاد ولا تغنيه.

وعليه، فإن التحدي الحقيقي أمام صانعي القرار في الأردن يتمثل في كيفية اختيار العقول التي تمتلك القدرة على التخطيط والتنفيذ، بعيداً عن المحاصصات أو الاعتبارات الشخصية. فالاقتصاد بحاجة إلى رجال ونساء مشهود لهم بالكفاءة والإنجاز، قادرين على بناء شراكات منتجة، وإدارة استثمارات تترجم إلى مصانع جديدة، وأسواق تصديرية أوسع، وفرص عمل تحفظ كرامة الشباب وتبني مستقبلهم.

التقرير الأوروبي إذن ليس مجرد تقييم اقتصادي محايد، بل هو جرس إنذار يذكّرنا بأن الوقت قد حان لإعادة ترتيب البيت الداخلي، واستثمار الدعم الدولي بما يخدم التنمية الحقيقية، عبر تخطيط رشيد وتنفيذ منضبط، يقوده أصحاب الرؤية لا الباحثون عن المكاسب السريعة. إنها مسؤولية وطنية بامتياز، تتطلب وضوحاً في الأولويات، وجرأة في القرارات، وإرادة صلبة لا تساوم على حق الأجيال المقبلة في اقتصاد قوي ومستدام.