أخبار اليوم - في اليوم الأول من شهر رمضان لعام 2024، وبينما كان الناس يتجهزون للصيام على وقع حرب الإبادة الجماعية، خرج الشاب عبد الله معين الغندور (31 عامًا) من منزله القريب من دوار دولة في حي الزيتون بغزة، مدفوعًا بأمل بسيط، مشاهدا شاحنات المساعدات التي ربما تحمل طعامًا يسد جوع العائلة.
"كنت واقفًا على تلة صغيرة أراقب الشاحنات من بعيد... فجأة سمعت صوت طائرة الكواد كابتر، ثم شعرت بطلقة حارقة في رجلي، وسقطت مباشرة عن التلة"، هكذا يروي عبدالله لـ "فلسطين أون لاين" اللحظة التي غيرت مجرى حياته.
الرصاصة أصابته في رجله اليسرى، ليسقط أسفل المقطورة التي كانت تمر من المكان، ولحسن حظه، تنبه سائقها لتواجده، وإلا لكان المشهد قد انتهى بمأساة أكبر.
تمكن الأهالي من نقله إلى مستشفى الشفاء، وهناك تلقى الإسعافات الأولية، ولكن بعد أربعة أيام، ووسط اشتداد المعارك، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي المستشفى، فاضطر الطاقم الطبي إلى إخلاء المصابين الذين كانوا في مهب الخوف والرصاص.
يقول الغندور لـ "فلسطين أون لاين": "طلعونا من المستشفى تحت النار... كنت شايف الموت بعيني، والوجع ما فارقني لحظة"، ثم نُقل إلى مستشفى المعمداني، وهناك قرر الأطباء بتر ساقه من تحت الركبة بسبب التفتت الكامل في العظام، لكنه لم يكن يعلم أن الكارثة لم تنته بعد.
وبسبب نقص الأدوية والمضادات الحيوية، وعدم توفر المستلزمات الطبية، أصيبت رجله بالبكتيريا والغرغرينا، وتدهورت حالته بسرعة، مما اضطر الأطباء بعد أسابيع إلى إجراء بتر جديد من فوق الركبة.
ويضيف الغندور بحرقة: "يعني رجلي راحت مرتين… الأولى من الاحتلال، والتانية من نقص العلاج"، كما أظهرت الفحوصات وجود كسور معقدة في الساق اليمنى، مما جعله طريح الفراش تمامًا.
"كنت أحلم أكون معيل لعيلتي، أشتغل، أمشي على رجلي… اليوم حتى القيام صعب، بس بحاول ما أستسلم"، فأكثر ما يضيق صدره أنه أب لطفلتين لا يستيع أن يلبي احتياجاتهما بعد أن بات لا يستطيع العمل على سيارة الأجرة.
ورغم كل الألم، لا يزال عبدالله متمسكًا بالأمل، "أحلم بطرف صناعي يعيدني للوقوف، للعمل، للحياة، الإصابة كسرت رجلي، لكن مش روحي".
ما زال ينتظر فرصة للسفر للعلاج في الخارج، حيث الأمل بأن يستعيد شيئًا من حياته التي اختطفتها الحرب.
فالغندور يعاني أيضاً من آلام شديدة في قدمه اليمنى المصابة، التي لم تلتئم بالكامل، مما يعيق قدرته على تركيب الطرف الصناعي ويحد من حركته واستقلاليته.
يكمل بصوت ملؤه الحزن: "الوجع في رجلي التانية ما بخليني أركب الطرف الصناعي، وكأن الألم بيقول لي لسه ما خلصت معك المعاناة"، فهذه الآلام تمنعه من استعادة جزء من حياته الطبيعية ويزيد من شعوره بالعجز، رغم كل ألمه الجسدي والنفسي.
فاليوم يعيش الغندور في حالة من التحدي المستمر، فهو ينتظر اللحظة التي تلتئم فيها جراحه، ليتمكن من الاعتماد على نفسه بدلًا من زوجته التي أصبحت تُعيله هو وابنتيه في ظل ظروف النزوح المتكررة.
يختم حديثه بصوت يحمل مزيجًا من الألم والأمل: "زوجتي صارت كل الدنيا بالنسبة لي، بس أنا مش حابب أكون عبء عليها أو على أولادي، بحلم باليوم اللي أقدر أمشي فيه، وأكون سند لهم مش العكس".
فلسطين أون لاين