أخبار اليوم - داخل خيمة بيضاء نُصبت على أرضية رملية في الزوايدة وسط غزة، تتصاعد أصوات بحماس بينما يتجول خمسة أطفال في عالم افتراضي، بفضل خوَذ يضعونها على رؤوسهم، في إطار برنامج علاجي يهدف إلى أخذهم بعيداً عن أهوال الحرب المدمّرة في القطاع الفلسطيني.
يجلس أحد الأطفال على كرسي متحرك فيما يجلس الآخرون على كراسي بلاستيكية، ويحرّكون رؤوسهم لاستكشاف عالم جديد كامن داخل الخوذ ويعبرون خلاله إلى حدائق خضراء وشواطئ هادئة ومدن آمنة.
يهدف العلاج بالواقع الافتراضي، وفق ما يقول القيمون على برنامج «تيك ميد غزة» Techmed Gaza، إلى تحسين الصحة النفسية للأطفال، مشيرين إلى إنه يمكن أن يحقّق نتائج أسرع مقارنة بجلسات العلاج التقليدي.
يمدّ طفل يديه كأنه يطرد ذبابة، ويبتسم آخر ويضع يده أمام وجهه كأنه يريد أن يلمس منظراً طبيعياً محيطاً به، ويقول ثالث إن كلباً يركض نحوه بسرعة كبيرة، ويشير إليه قائلاً: «تعال! تعال!»، ثم يقول طفل لآخر: «أنت في المنطقة نفسها التي أنا فيها».
ويسأل المشرف عن البرنامج الطفل على الكرسي المتحرك إن كان يرى أي طيور، فيردّ بينما يجول بنظره من حوله: «نعم، أرى طيوراً».
ويضع أحد المشرفين برفق خوذة زرقاء على رأس صلاح أبو ركب (15 عاماً) الذي أُصيب بجروح في الرأس في أثناء الحرب التي توقفت نسبياً بعد سنتين إثر وقفٍ لإطلاق النار بدأ قبل أكثر من شهر.
ويقول الفتى لوكالة الصحافة الفرنسية: «نشعر بالراحة فيها، نستمتع بها، ومن خلالها ندخل إلى حديقة، وندخل إلى أماكن بها حيوانات وتجارب مشابهة».
وعند سؤاله عمَّا يراه، يجيب: «إنها كلها أشجار. لا شيء سوى أشجار وعشب وزهور».
ويقول المشرف على الصحة النفسية عبد الله أبو شمالة: «الجبل جميل جداً. يمكنكم رؤية كل شيء في العالم».
«نتائج إيجابية»
ويوضح أبو شمالة أن الخوذ لا تهدف فقط إلى الهروب من الواقع؛ «من خلال البرمجة نستطيع تصميم ألعاب ذات أهداف علاجية، ووقائية، وتنموية تساعد الطفل على التأهيل أو تمكينه من التعامل مع حياته بشكل أفضل».
ويضيف: «أثبتت هذه التقنية نجاعتها على مدار عام كامل من العمل مع عديد من الأطفال، بمن في ذلك الأطفال مبتورو الأطراف نتيجة الحرب، والأطفال المصابون، ومن تعرضوا لأحداث صادمة جداً».
وتقول مديرة عمليات الإغاثة الإنسانية في منظمة الصحة العالمية تيريزا زكريا، إن الإصابات الناتجة عن الحرب لها آثار نفسية، وإن الناجين يكافحون للتغلّب على الصدمة النفسية والفقدان والعيش اليومي في ظروف صعبة.
وتظل خدمات الدعم النفسي والاجتماعي شحيحة في غزة، حيث مشاهد الدمار في كل مكان نتيجة الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس»، وحيث أعلنت الأمم المتحدة المجاعة قبل أشهر من وقف النار، وحيث أغلقت المدارس لسنتين، وقُتل عشرات الآلاف، ونزح تقريباً كل سكان القطاع البالغ عددهم أكثر من مليونين.
ويقول المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) جوناثان كريكس، لوكالة الصحافة الفرنسية: «نحو مليون طفل، أي جميع الأطفال في قطاع غزة، بحاجة إلى دعم نفسي واجتماعي بعد عامين من حرب مروّعة».
وتعتمد جلسات الواقع الافتراضي على برامج مصمَّمة خصيصاً للأطفال المتأثرين بالصدمات، مع مراعاة حالتهم الجسدية والنفسية، ومساعدتهم على إعادة بناء تصورات إيجابية عن العالم.
ويقول أبو شمالة إن الأطفال في هذا البرنامج «لدى دمجهم مع هذه التقنية أبدوا استجابة قوية جداً ونتائج إيجابية للغاية».
ويضيف: «سرعة العلاج والشفاء والوصول إلى الاستقرار باستخدام تقنيات الواقع الافتراضي كانت أسرع من الجلسات العادية. في الجلسات العادية من دون الواقع الافتراضي، عادةً نحتاج إلى نحو 10 إلى 12 جلسة، بينما مع الواقع الافتراضي يمكن تحقيق النتائج في خمس إلى سبع جلسات فقط».