"أنا موجوعة يا ماما" .. منال التي سرقت الحرب طفولتها

mainThumb
"أنا موجوعة يا ماما".. منال التي سرقت الحرب طفولتها

02-12-2025 10:35 AM

printIcon

أخبار اليوم - لم تكن منال أحمد دقة، ذات الخمس سنوات، تدرك معنى كلمة "حرب"، وكل ما كانت تعرفه أنها اعتادت اللعب في ساحة المنزل، والجري خلف فراشات الخريف، والضحك مع صديقاتها. لكن في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 تغيّر عالمها الصغير إلى الأبد، وسكن الوجع جسدها الغض.

من شمال غزة خرجت منال من غرفتها ووقفت عند باب البيت المؤقت، تحدّق في السماء الرمادية، وتبحث بعينيها عن صديقاتها. يقول والدها أحمد دقة:

"سألتني: ليش ما حدا بيجي يلعب؟ وشو هادي الأصوات القوية؟" ولم يكن حينها هو ووالدتها يملكان إجابة تُخفف خوفها.

وبينما كانت تقف عند الباب، سقط صاروخ قريب من منزلهم، وقصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي بيت الجيران المجاور.

سقط الركام الثقيل مباشرة فوق جسدها الصغير، وتعالت صرخات العائلة، وبدأ الجميع يبحث بين الأنقاض.

ويضيف والدها بصوت متهدّج لـ "فلسطين أون لاين": "سمعنا انفجارًا ثم صمتًا… قلبي سقط في قدميّ. خرجت أركض، وكانت منال مغطّاة بالغبار والركام، ظننت أنها فارقت الحياة".

نُقلت منال إلى المستشفى في حالة حرجة، ولم يكن هناك سرير شاغر ولا معدات كافية؛ نزيف ورضوض متعددة، وألم لا يُحتمل. فقدت الطفلة قدرتها على الحركة، وبدأت تظهر عليها أعراض الصدمة النفسية.

أُصيبت بشظايا في جسدها الغض، وحين نُقلت مسرعة إلى المستشفى، كانت تصرخ: "أنا موجوعة يا ماما"، ثم خفت صوتها.

تسببت الإصابة بشلل سفلي كامل لها. وكان الأمل قائمًا في التدخل الجراحي، غير أن مستشفيات غزة المحاصرة تفتقر إلى الإمكانيات اللازمة.

"قالوا لنا إنها تحتاج عملية دقيقة في العمود الفقري، لكن هذه العملية تتطلب بيئة طبية متقدمة"، يتابع والدها.

"جلبت لها مقوّيات غذائية، وبدأنا جلسات علاج طبيعي بإمكانات محدودة، لكن دون استجابة"، يقول بصوت مكسور.

"كنت أضع يدي على قدمها وأسألها: حرّكيها شوي يا بابا… فتنظر إليّ بعينين دامعتين".

سافرت منال إلى مصر لمدة ثمانية أشهر، لكن دون أن تتلقى علاجًا فعليًا، بحسب والدها: "كل ما كان هناك انتظار وانتكاسات".

ثم سافرت برفقة عائلتها إلى النرويج، لكن الأطباء أخبروهم بأن الوقت قد فات، وأن التدخل الجراحي لم يعد ممكنًا بسبب تأخر العلاج.

"اليوم لا تتلقى سوى جلسات علاج طبيعي… والأمل يتضاءل"، يضيف الأب بحسرة.

أما نفسيًا، فلا يقل الألم قسوة. منال لا تلعب، ولا تجري، ولا تذهب إلى روضة الأطفال.

"تسألني عبر الهاتف: بابا، رجعت البنات يلعبوا عند باب البيت؟ متى أرجع ألعب معهم؟"، يقول والدها بصوت يرتجف.

حُرمت منال من أبسط حقوق الطفولة: الحركة، واللعب، والذهاب إلى الروضة، وحتى الضحكة الكاملة، وعيش الدفء الأسري الذي تحتاجه أكثر من أي وقت مضى.

وفيما ترافق أم منال ابنتها في رحلة العلاج، يعيش أحمد مع رضيع لم يتجاوز عمره تسعة أشهر، محاولًا أن يكون له الأب والأم في آن واحد.

ويختم والد منال برسالة إلى العالم: "نحن لا نطلب سوى حق طفلتنا في الحياة والعلاج، وفي الطفولة التي سُرقت منها. منال ليست رقمًا في إحصاءات الحرب، بل إنسانة صغيرة تحلم بالمشي واللعب والتعلّم. نناشد المنظمات الدولية والإنسانية ألا تغلق عيونها عن وجعنا، وأن تسهم في توفير العلاج والرعاية التي تستحقها كل طفلة على هذه الأرض".

المصدر / فلسطين أون لاين