أخبار اليوم - أمام خيمة يدوية تقف بالكاد في مواجهة طقس الشتاء غرب مدينة غزة، يلاحق النازح رامي أبو العون أشعة الشمس الباهتة، لمواجهة نوبة سعال وبرد جاثمة على صدره، دون أدنى مقومات الحياة، وأبرزها الغاز المنزلي.
هي معاناة يومية في ظل برد يتسرب من كل ثقب، ورياح تقلب الليل إلى امتحان قاس في خيمته، حيث يعيش مع زوجته، وسبع بنات، وولدين. 11 نفسا تلتصق ببعضها كل مساء بحثا عن دفء لا يأتي.
وعلى الرغم من سريان اتفاق وقف حرب الإبادة منذ 10 أكتوبر/تشرين الأول، لم تصل إلى هذه العائلة أي علامة على انتهاء المعاناة. فحتى أبسط متطلبات البقاء—أسطوانة غاز للطهو أو لتسخين قليل من الماء— باتت أمنية.
بينما يقاوم الرجل سعاله، يقول لـ "فلسطين أون لاين" إنه يجمع النايلون والبلاستيك من حواف الطرق المدمرة، يشعل نارا دخانها أكثر من حرارتها، فيما يراقب أطفاله اللهب الضعيف، على أمل أن يمنحهم معلما للحياة.
على مدار سنتين من حرب الإبادة، أرهق النازح الخمسيني أبو العون، بحثا عن مكان يؤوي فيه عائلته في مدينة غزة، واستقر به الحال أخيرا على رصيف شوارع لا يبعده عن البحر سوى مئات الأمتار.
وينحدر الرجل من الأراضي المحتلة سنة 1948، وكان يقطن في حي الشجاعية شرق غزة، لكن ما يعرف بـ"الخط الأصفر" ابتلع منطقة سكنه، كما دمرت قوات الاحتلال بيته، وظل مشردا قسرا.
"دورت على مكان مناسب... عندي سبع صبايا لازم يكونوا مستورين، وداخلين على شتاء، نظفت هذا المكان وعملت خيمة بشوادر"، والحديث لـ"أبو العون".
لكن الخيمة لا تقي من البرد، الذي يعصف بالعائلة، ولا يؤدي إيقاد النار بالنايلون والبلاستيك الغرض سواء بالتدفئة أو الطهي.
يقول أبو العون، لو توفر الغاز لتمكن من استخدام مدفأة ولحصل بسهولة على الماء الساخن.
مأساة قاسية
ويشهد قطاع غزة كارثة إنسانية غير مسبوقة، حيث تعيش أكثر من 288,000 أسرة مأساة قاسية في ظل الظروف المناخية الصعبة وانعدام الحد الأدنى من مقومات الحياة، وفق معطيات رسمية.
وتشمل مقومات مواجهة طقس الشتاء، وسائل تدفئة آمنة للأطفال والمرضى وكبار السن، وشوادر وأغطية بلاستيكية عازلة للمياه، وأرضيات تمنع تحول الخيام إلى برك من الطين، وأغطية، وفرشات، ومواد عزل حراري.
لكن المكتب الإعلامي الحكومي يشير في بيان أصدره أخيرا، إلى أن الاحتلال يمنع إدخال هذه المواد كافة، في خرق خطير للبروتوكول الإنساني الذي وقع عليه، وفي انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، ما يؤدي إلى تفاقم الكارثة التي يدفع المدنيون ثمنها وحدهم.
وفي السادس من نوفمبر/تشرين ثان، قالت هيئة البترول عبر تطبيق "تيليجرام"، إن الاحتلال يعيد يوميًا شاحنات الغاز دون تعبئتها رغم وصولها للمعبر، ما يؤكد تعمده الواضح في زيادة معاناة الغزيين رغم وقف إطلاق النار.
وأشارت الهيئة، إلى أن الاحتلال يعتمد آلية جديدة في الإيعاز للشاحنات بالتوجه للمعبر ومن ثم إرجاعها فارغة، إمعانا في إذلال وتركيع الشعب الفلسطيني الصامد بغزة، داعية كل المعنيين والمتابعين لاتفاق وقف إطلاق النار إلى إلزام الاحتلال بتطبيق البرتوكول الإنساني الذي ينص على إدخال الوقود والغاز، والتدخل العاجل للحد من أزمة الغاز المتفاقمة والمتعمدة.
ومع ذلك، يجد أبو العون نفسه في مواجهة واقع يفوق قدرته على التحمل.
فقد الرجل أباه وأخاه اللذين استشهدا في خضم حرب الإبادة، وتحمل مشاق العيش والنزوح المتكرر تحت النار في شمال قطاع غزة، رافضا أوامر الاحتلال بالتوجه جنوبا، لكنه اليوم، يواجه أشكالا أخرى من الحرب.
يقول: أمريكا تمارس لعبة لمصلحة الاحتلال تحت ستار وقف إطلاق النار. الاحتلال يواصل الحرب بالنار شرق الخط الأصفر، ويشن عدوانا داميا على غرب الخط الأصفر بين فترة وأخرى بذرائع مختلفة.
ويرى أن تقييد الاحتلال إدخال كميات الغاز الواردة لغزة رغم الاتفاق، هو جزء من الحرب المستمرة للضغط على المدنيين في غزة.
وفي كل خيمة بغزة، يبقى المواطنون فريسة للبرد؛ في وقت أصبح الغاز، رفاهية بعيدة عن متناول المعذّبين بالبرد والنزوح.
المصدر / فلسطين أون لاين