وفاة الطيار غازي الصمادي… أول طيار أردني يسقط طائرة إسرائيلية

mainThumb
وفاة الطيار غازي الصمادي… أول طيار أردني يسقط طائرة إسرائيلية

18-09-2025 10:28 AM

printIcon

سهم محمد العبادي

انتقل إلى رحمة الله تعالى صباح هذا اليوم العميد الركن الطيار غازي الصمادي (أبو خالد)، عن عمر ناهز الخامسة والثمانين، بعد حياةٍ حافلة بالعطاء العسكري والبطولات الوطنية. غازي، الذي عرفته عن قرب صديقًا وأخًا، كان قطعة من سماء الأردن التي لا تعرف الانحناء.

جلستُ معه ذات مقابلة صحفية، حدّثني بذاكرة لا تشيخ عن يوم 21 كانون الأول/ديسمبر 1964، يوم صعد إلى طائرته هوكر هنتر البريطانية، واشتعلت سماء البحر الميت بمعركة ستخلّد اسمه إلى الأبد. قال لي: “العادي إحنا في الدوام في القواعد المقاتلة، الإنذار الفوري يعتمد على الوضع. كنت مع التشكيل الثاني، المرحوم بدر الدين ظاظا الله يرحمه، والمرحوم فراس العجلوني قائد التشكيل. أقلعنا من قاعدة قريبة من عمان، اتجهنا نحو البحر الميت، ثم أخذنا مسار الشرق والغرب باتجاه فلسطين. على يسارنا انفصلنا عن بعض، والصف بقيادة فراس، ضد قائد التشكيل الإسرائيلي رقم واحد، وأنا كنت مع رقم اثنين.”

ويتابع بلهفة من يعيش اللحظة: “بدأت الدورة أنا وفراس وجورج. لم أسمع منهم شيئًا عبر اللاسلكي، لكننا كنا نعرف أن الاشتباك وشيك. أمامنا طائرة إسرائيلية حديثة، من طراز ميراج فرنسي، آخر إنتاج الفرنسيين وقتها، سرعتها تفوق سرعة الصوت، نحو 400 إلى 450 عقدة، يعني ما يقارب الميل الجوي الكامل. الحركة عندي على اليمين، وأنا استغليت الفرصة.”
“طرت باتجاه جزيرة في الجهة الشمالية للبحر الميت تقريبًا. هذا الخط – يعني خط السير – بين الخليج على التشكيلين، تشكيلتي ورقم اثنين، وتشكيل المرحوم فراس. نزلت حوالي 2000 قدم فوق الماء، عملت حركة معاكسة، وصفيت مباشرة على الطائرة الإسرائيلية. كانت لحظة فاصلة. رأيتها أمامي والدخان يتصاعد. سبعون ثانية من عمر السماء، ضغطت الزناد ورأيتها تتهاوى. أول طائرة إسرائيلية تُسقطها سماء الأردن. كنت أعرف أننا صنعنا تاريخًا في تلك اللحظة.”
هكذا كتب غازي، ومعه سلاح الجو الملكي، أول سطر من ملحمة الدفاع عن سماء الوطن، سطرًا يقول إن هذه البلاد، من عجلون إلى العقبة، ليست سوى قبة من الكبرياء يحرسها أبناؤها في الجو كما يحرسها جنودها على الأرض.
غازي ابن عجلون، مدينة الجبال والصنوبر، كان يقول لي: “هواء عجلون يعلّم الطيار كيف يتنفس.” ظلّت مدينته حاضرة في كل رحلة، في كل تحليق. اليوم تعود روحه إلى تلك الجبال، إلى الجامع العمري الكبير في عنجرة، حيث سيوارى جثمانه الطاهر الثرى.
أتذكّر بدلته العسكرية التي كان يحتفظ بها بعناية؛ خضرة تلمع كأنها صارت لونًا من ألوان الغابة العجلونية. كان يفخر بها كما يفخر الصنوبر بجذوره، وكان يعلقها في صدر بيته وكأنها قطعة من السماء.

سلام عليك أخي الكبير وبطلنا أبا خالد، يا طيار السماء الذي حمل الأردن في قلبه، وجعل من عنجرة منارة تحرس السماء. سلام على روحك التي ارتفعت حيث يليق بها، فوق غيمٍ لا يعرف الانكسار.
وعاش الأردن العظيم

(الفاتحة)