فوق مكب النفايات .. نازحون من غزة يواجهون الموت والمرض بعد فقدان المأوى

mainThumb
فوق مكب النفايات.. نازحون من غزة يواجهون الموت والمرض بعد فقدان المأوى

18-09-2025 01:37 PM

printIcon

أخبار اليوم - لم يتخيل المهندس بسام الفار، وهو يخرج من منزله في حي الجلاء بمدينة غزة تحت وقع القصف والإبادة، أن تنتهي رحلته الطويلة بخيمة منصوبة على مكب النفايات في منطقة النويري غرب مخيم النصيرات، وسط قطاع غزة.

تحت القصف الإسرائيلي لمنطقة سكنه، حمل الفار أفراد أسرته على عجل، يطاردهم الخوف والدمار، وظلوا يتنقلون من منطقة إلى أخرى؛ من المواصي إلى خانيونس، دون أن يجدوا مأوى يحميهم، وفي النهاية، لم يكن أمامهم سوى مكب للقمامة القمامة، وسط القطاع.

ومؤخرًا، أصدرت قوات الاحتلال أوامر إخلاء قسري للمواطنين في محافظتي غزة وشمال القطاع، مطالبةً إياهم بالتوجه نحو محافظتي خان يونس والوسطى، اللتين تعانيان أصلاً من الاكتظاظ بمئات الآلاف من النازحين.

ورغم عدم وجود أماكن كافية لاستيعاب المزيد، تصر قوات الاحتلال على التضييق على المواطنين، وتجبرهم على النزوح قسرًا، بينما تستهدف منازلهم وممتلكاتهم بالقصف، في محاولة واضحة لاقتلاعهم من جذورهم وحرمانهم من أدنى مقومات الحياة.

لا مكان للنزوح

يقول الفار بصوت يثقل عليه التعب لـ " فلسطين أون لاين ": "أُجبرنا على النزوح نتيجة الضغط العسكري المتواصل، هدموا بيوتنا، والتفجيرات لا تهدأ. ذهبنا إلى جنوب القطاع بحثًا عن مكان نلجأ إليه، لكننا لم نجد أي مكان".

ويضيف بحرقة: "في النهاية اضطررنا للجلوس فوق مكب النفايات حتى نجد مأوى نعيش فيه ولو لأيام. مع الأسف نحن مجبرون أن نعيش فوق مكب نفايات.. أي بشر يستطيع أن يتحمل هذا الوضع؟"

وبنبرة استغاثة يتابع الفار: "أرجو من كل من يسمعنا أن ينظر بعين الرحمة إلى أبناء شعبنا في غزة. نحن كبار في السن وأطفال ومرضى نعيش بجوار مكب نفايات يهدد حياتنا. في ظل انعدام الدواء في المستشفيات اليوم، قد نصاب بأمراض مزمنة وخطيرة، ولا يوجد أمامنا أي مجال للتداوي".

ومنذ خرق الاحتلال اتفاق وقف إطلاق في منتصف آذار/ مارس الماضي، شهد قطاع غزة موجات نزوح جماعي غير مسبوقة، حيث يُقدَّر أن نحو 780,358 مواطنا نزحوا من مناطقهم حتى تاريخ 12 آب/ أغسطس.

ووفقًا للتقديرات، فإن أكثر من 1.9 مليون مواطن، أي ما يقارب 90% من سكان قطاع غزة، تعرضوا للنزوح الداخلي منذ بداية العدوان، ما يعكس حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها القطاع.

وفي الفترة ما بين 12 و20 آب/ أغسطس فقط، تم تسجيل نحو 16,800 حالة نزوح إضافية، غالبيتها من مدينة غزة، وتمثل هذه الحالات نحو 95% من عمليات النزوح الأخيرة، في مؤشر واضح على استمرار تدهور الوضع الإنساني وتصاعد الضغوط على المواطنين في المناطق المستهدفة.

يُشار إلى أن المعطيات المتوفرة على أرض الواقع تؤكد أن جنوب قطاع غزة غير قادر على استيعاب ما يقارب1.3 إلى 1.5 مليون نازح من محافظتي غزة والشمال.

عائلتي بجوار القمامة

على مسافة قصيرة من خيمة الفار، تجلس رائدة الفار (39 عامًا)، أم لستة أطفال، تحاول إقناع صغارها أن المكان مؤقت، وأن الغد قد يكون أفضل.

تروي قصتها وهي تنظر نحو تلة القمامة التي لا تبعد سوى أمتار قليلة: "نزحنا إلى رفح، ثم إلى المواصي، وأخيرًا استقرينا هنا عند مكب النفايات في تبة النووي. لم نجد أي مكان آخر، لم يكن هناك متسع نهائي، فاضطررنا للاستقرار هنا".

تشير بيدها إلى أكوام القمامة وتتابع بصوت متهدج: "القاذورات لا تفصلنا عنا سوى ستة أمتار. اخترت المكان هربًا من القصف وخوفًا على أولادي، لكننا اليوم نواجه أمراضًا جلدية، روائح خانقة، وقوارض وحشرات. الأمر يفوق الوصف.. لكن كما يقولون: (شو اللي رماك عالمر.. غير الأمر منه)".

وتوضح بحزن أن المكان لم يكن أصلًا صالحًا لسكن الناس: "نحن فعليًا فوق مكب نفايات. منظمة الـ UNDP نظّفت جزءًا منه، لكن بقي الجزء الآخر ملوثًا. الأرض كلها ملوثة، ومع ذلك لم يكن أمامنا خيار آخر". وتشدد على انه لا يوجد متسع في الجنوب لإقامة خيمتي، وخوفي على أطفالي من القصف أجبرني على البقاء هنا".

تتوقف لثوانٍ وهي تحتضن طفلها الأصغر، ثم تضيف: "نزحنا أكثر من مرة؛ من غزة إلى النصيرات، ثم إلى رفح، ثم إلى المواصي، وأخيرًا استقرينا هنا. لكن الوضع قاسٍ جدًا.. الأمراض منتشرة، الروائح لا تُحتمل، والعيش وسط القمامة لا يليق بكرامة الإنسان".

ترفع الفار صوتها بنداء للعالم: "نحن نعيش وسط القمامة. نناشد كل من يسمعنا أن ينظر بعين الرحمة إلينا، إلى الأطفال الذين لا ذنب لهم، وإلى كبار السن الذين لا يحتملون هذا الوضع. نحن بشر، لكننا نُعامل كما لو كنا أقل من ذلك".

والجمعة الماضية، قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إن منطقة المواصي التي تدفع (إسرائيل) الفلسطينيين نحوها تخلو من "المستشفيات الحقيقية أو البنية التحتية أو الخدمات الأساسية من خيام ومأوى وماء وغذاء وكهرباء وتعليم". ولفت الإعلام الحكومي إلى أن المساحة التي خصصها جيش الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين هي مناطق إيواء تبلغ أقل من 12 بالمئة من مساحة القطاع.

أما وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" فقد حذرت من اكتظاظ الملاجئ، وأن الخدمات مثل الصحة والمياه والصرف الصحي على وشك الانهيار في بعض المناطق، إضافة لمحدوديّة الموارد مثل الغذاء والمأوى والرعاية الصحية، وأن وكالات الإغاثة تواجه صعوبات كبيرة في الوصول إلى الناس المحتاجين بسبب الحصار وأوامر التهجير.

وبدعم أمريكي، يرتكب جيش الاحتلال منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة، خلّفت 64 ألفا و871 قتيلا، و164 ألفا و610 مصابين من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح 422 فلسطينيا بينهم 145 طفلا.

المصدر / فلسطين أون لاين