هذا ما فسره علم النفس العيادي بقلم الدكتورة ايمان الشطرات
هل شعرت يومًا أنك انهرت من موقف بسيط؟
كلمة عابرة، نظرة باردة، أو تجاهل عفوي… لكن وقعها في داخلك كان كأنها فتحت صندوقًا من الألم القديم.
الحقيقة أن الانهيار لا يحدث فجأة، بل هو نتيجة
تراكم جروح صغيرة لم تُعالج، وآلام دقيقة تسكن في الأعماق دون أن تجد متنفسًا.
في علم النفس العيادي نطلق على هذه الحالة اسم “الصدمة الدقيقة” (Micro-trauma)، وهي سلسلة من التجارب اليومية التي تبدو تافهة ظاهريًا، لكنها تتراكم على الجهاز العصبي كما تتراكم قطرات الماء على صخر الذاكرة والعاطفة.
تشير الدراسات إلى أن التعرض المتكرر لضغوط صغيرة — مثل النقد المستمر، الإهمال العاطفي، أو الإحباط المتكرر — يؤدي إلى ارتفاع مزمن في هرمون الكورتيزول، وهو هرمون التوتر، مما ينعكس على ضغط الدم، والمزاج، ووظائف التركيز.
من منظور العلاج النفسي، ما نسميه “الانفجار” ليس ضعفًا، بل هو آلية دفاع متأخرة؛ الجسد والعقل يفرغان أخيرًا ما لم يُسمح لهما بالتعبير عنه في حينه.
فكل مرة نكتم فيها الغصّة أو نتظاهر بالتماسك، يخزّن الدماغ التجربة على شكل “ذاكرة عاطفية مؤجلة” — حتى يأتي حدث صغير، فيُعيد تفعيل كل تلك الذكريات دفعة واحدة.
كيف يمكننا احتواء هذا التراكم قبل أن يتحوّل إلى انهيار؟
• التعبير العاطفي المنتظم: أظهرت الدراسات أن الكتابة اليومية عن المشاعر تقلل مؤشرات الالتهاب العصبي وتحسن المزاج العام.
• الإصغاء الجسدي: التوتر لا يعيش في الأفكار فقط، بل في الجسد. التنفس العميق، التأمل، أو حتى جلسة يوغا قصيرة تساعد على تفريغ الطاقة المتراكمة في الجهاز العصبي.
• الاعتراف بالمشاعر بدل كبتها: تقبّل الحزن أو الغضب لا يعني الاستسلام، بل يعني الاعتراف بالإنسانية التي فينا.
فالعقل والجسد يشبهان أرشيفًا دقيقًا؛ لا ينسَيان ما لم يُعاش حتى النهاية.
وما لا يُعبَّر عنه بالعقل، يتكلم بالجسد — في شكل أرق، أو صداع، أو نوبات بكاء غير مفسَّرة.
أن تتعامل مع “الوجع الصغير” بصدق… هو وقاية من انهيار كبير، وخطوة نحو نضج عاطفي وشفاء داخلي حقيقي.