في جحيم نفحة .. أسيرٌ محرّر يروي فصول الإذلال والتعذيب بعد حرب الإبادة

mainThumb
في جحيم نفحة.. أسيرٌ محرّر يروي فصول الإذلال والتعذيب بعد حرب الإبادة

08-11-2025 02:23 PM

printIcon

أخبار اليوم - يروي الأسير المحرر يوسف الزهور تفاصيل موجعة عاشها في الجحيم الذي الأسرى الفلسطينيون داخل سجون الاحتلال، كاشفًا ما جرى خلف الجدران بعد السابع من أكتوبر، حين تحوّلت السجون إلى ميادين قمع وتعذيب منظم، وجرى التعامل مع الأسرى وكأنهم “أعداء حرب”.

بداية مرحلة جديدة من القمع

يقول الزهور، إن إدارة السجون بدأت بخطوات متصاعدة ضد الأسرى، شملت مصادرة كافة المقتنيات التي اشتروها من “الكنتينا”، وتخريب الأغراض الشخصية عمدًا.

“كانوا يدخلون الغرف ويكسرون البيض فوق الطعام ويخلطون الأكل ببعضه ليتلفوه. صادروا كل الأجهزة الكهربائية، وحتى أدوات التنظيف، وأطفأوا الكهرباء بشكل متكرر.”

وعندما سأل الأسرى ضابط السجن عن سبب هذه الإجراءات، أجابهم ببرود: “الله يعينكم على اللي جاي عليكم… المرحلة الجاية صعبة جدًا.”

تجويع وعقاب جماعي

يروي الزهور أن الطعام أصبح لا يكفي مئة أسير في القسم، إذ كانت تُقدَّم لهم فقط “صينيتان من الأرز وطنجرة شوربة”، وهي كمية لا تكفي حتى لعدد بسيط.

وفي أواخر أكتوبر، اقتحمت قوات “النحشون” و“المتسادة” أقسام السجن عند السادسة صباحًا: “نادى الجنود علينا من النوافذ نمد أيدينا لنُكبّل، أخذونا بالملابس التي كنا ننام بها، نقلونا إلى قسم آخر فارغ بطريقة وحشية، صادروا حتى صور ومقتنيات الأسرى الشخصية من صور ذكريات.”

ويصف عمليات التفتيش بأنها كانت “إذلالًا متعمدًا”: “كانوا يصادرون أي شيء حتى زجاجة ماء فارغة، ويجبروننا على البقاء أرضًا، يسبّوننا ويهينوننا.”

تعذيب جسدي ونفسي مهين

من أكثر ما آلمه، كما يقول، عمليات التفتيش التي كانت تجري أحيانًا بواسطة مجندات: “كانت المفتشة تصل إلى مناطق حساسة من الجسد، وكان ذلك يُشعرنا بالقهر والإهانة.”

كما أشار إلى أن وحدات القمع كانت تقتحم الأقسام في ساعات النوم، مستخدمة قنابل صوتية للمرة الأولى داخل السجون: “كنا ننام في الرعب، الدخان الكثيف والصوت العالي والضرب الوحشي… الخوف عمّ المكان.”

إصابات وتعذيب في التحقيق

يروي الزهور مشاهد مروعة عن أسرى جُلبوا من التحقيق في زنازين المسكوبية، ويقول “كان بعضهم مكسور اليدين أو الرجلين، وآخر رأسه مفتوح.

أحدهم من القدس قال لنا إنه منذ اللحظة الأولى لدخوله غرفة التحقيق طلبوا منه أن يسبّ على القادة الشهداء يحيى السنوار، ومحمد الضيف، وإسماعيل هنية – رحمهم الله – فرفض. ومع كل رفض كانوا يضربوه على رأسه بقوة، وعندما ذكر اسم نتنياهو بدلًا منهم، انهالوا عليّه ضربًا، وخلعوا ملابسه وهم يشغّلون أغنية "إسرائيلية" ويطلبون منه أن يرقص عليها.

ويضيف الزهور نقلا عن الأسير المقدسي أن المحققين في زنانزين المسكوبية استخدموا أساليب إذلال وحشية، إذ كانوا ينادون الأسرى بأسمائهم ويجبرونهم على الاستلقاء أرضًا بينما يقف الجنود في أماكن مرتفعة وينقضّون عليهم بالقفز، مما تسبب له بخلع في الكتف، وجرح مفتوح في الساق، وكدمات شديدة في أنحاء جسده.

ورغم الألم والنزيف، واصل الجنود الاعتداء عليه بالضرب المتعمد على موضع الإصابة خلال نقله، حتى أن الطبيب الذي عاين جرحه لم يتحمل مشهد التورم والالتهاب الشديد في رجله.

وبحسب الزهور، تحول العلاج الطبي إلى أداة تعذيب إضافية، إذ كان من يُنقل إلى المستشفى يُعاد وهو أكثر ألمًا بسبب الضرب أثناء الطريق، ما دفع كثيرين إلى رفض الخروج للعلاج خوفًا من التعذيب المتجدد." صار الألم خيارنا الأخف، لأن العلاج كان يعني جولة جديدة من الإهانة والضرب.

وجع شخصي وإهمال طبي

يحكي الزهور عن حادثة تعرض خلالها لإصابة خطيرة في كتفه أثناء إخفائه أداة بسيطة لتسخين القهوة تُعرف بين الأسرى باسم “المزليق”: “كنت أخفيها كي لا يصادروها. سقطتُ عليها وانخلع كتفي. الألم كان لا يُطاق، ومع ذلك الضابط رفض مساعدتي وهددني بالضرب إن لم أعد إلى الغرفة.”

أعطوني فقط مسكنًا دون علاج، حاولت إعادة كتفي بيدي، وكانت مغامرة كبيرة حيث تبين لاحقا أن هناك كسر في كتفي،ساعدني رفاقي بالدعاء والدعم حتى لطف الله بي.

عقوبات جماعية وحرمان من أبسط الحقوق

استمر القمع بنقل الأسرى من قسم لآخر دون السماح لهم بأخذ أي شيء من أغراضهم: “حتى فرشاة الأسنان والملابس كانت ممنوعة، وكان البرد شديدًا، ينام اثنان على فراش واحد وغطاء واحد.”

وفي عيد الفطر، تحوّلت “الفورة” إلى مشهد جديد من التنكيل: “بعد أن خرجنا للساحة، دخلت وحدات القمع بالقنابل الصوتية، كسروا كل شيء وضربونا. قالوا لنا: بدنا نعيد عليكم… بطريقتنا.”

نهاية مفتوحة على الألم

يختم الزهور شهادته قائلاً:"لم يكن الهدف سوى كسرنا، قطعونا عن العالم تمامًا، لكنهم لم يستطيعوا كسر إرادتنا. كنا ندعو، نساند بعضنا، ونعيش على أمل الحرية.

يوسف الزهور واحد من مئات الأسرى الذين خرجوا في صفقة “طوفان الأحرار”، لكن جراح التجربة ما تزال مفتوحة، شاهدة على ما يحدث خلف الجدران من انتهاكات لا تصل إلى العالم إلا عبر أصوات الناجين.

المصدر / مكتب إعلام الأسرى