العنف الجامعي .. حين تتسلل الأزمة من خارج الأسوار

mainThumb

08-11-2025 05:33 PM

printIcon

الدكتور باسل السعايده
جامعة البلقاء التطبيقية /كلية العلوم /مساعد العميد للشؤون الطلابية


لم يعد العنف الجامعي اليوم ظاهرة تنشأ داخل الحرم الأكاديمي، بل أصبح انعكاساً لأزمة أعمق تنبع من المجتمع ذاته. المجتمع المأزوم، الذي أنهكته الصراعات الاجتماعية والسياسية والانتخابية، بات يفرز أنماطاً من السلوك المنفلت تتسرب إلى الجامعات عبر طلبته، فيحملون معهم رواسب الانقسام والتحشيد والولاءات الضيقة التي صنعتها قوانين انتخاب قسمت الناس فرقاً وشيعاً، بدل أن توحدهم على قيم المواطنة والانتماء.

إن الجامعة، في جوهرها، يجب أن تكون منارة للعلم والعقل والحوار، لا ساحة لتصفية الحسابات. وهنا تقع مسؤولية كبرى على الأستاذ الجامعي، الذي ينبغي أن يكون قدوة في سلوكه قبل علمه، يغرس في نفوس طلبته الأخلاق الرفيعة، وروح التسامح، وحب الغير، ويُعلّمهم أن الاختلاف في الرأي لا يعني الخصومة، بل هو طريق نحو الوعي والنضج.

كما أن دور المدرسة لا يقل أهمية، فالمعلم هو من يشكّل البذرة الأولى في وعي الطالب، وهو من يضع اللبنات الأولى لاحترام الآخر وتقبل التنوع. فإذا غاب هذا الدور التربوي، نشأت أجيال تعرف العلم ولا تعرف الأدب، وتملك الشهادة ولا تملك الأخلاق.

أما الأب، فهو الأساس. فالبيت هو المدرسة الأولى، وإذا لم يربِّ الأب أبناءه على احترام الغير، وضبط النفس، ونبذ العصبية، فستعجز الجامعة والمدرسة عن إصلاح ما أفسده التحشيد والانفعال. على الآباء أن يكفّوا عن شحن أبنائهم بعصبيات عشائرية أو مناطقية أو انتخابية، وأن يغرسوا فيهم قيم الإنسان أولاً.

إن معالجة العنف الجامعي لا تكون فقط بقرارات أو إجراءات أمنية، بل بترميم الإنسان نفسه، وإعادة بناء المنظومة الأخلاقية من البيت إلى المدرسة فالجامعة. عندها فقط نستطيع أن نحمي أجيالنا، ونصون جامعاتنا من أن تكون مرآةً لأزماتنا، بدل أن تكون أملاً لحلّها.