فضية مقابلة
الزيتونة المباركة شجرة مباركة ذكرت في القرآن الكريم بقوله تعالى في سورة النور :
"زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار"
وقد ذهب البعض الى تفسير الشرقية والغربية الى انها مناخها متوسطي اي في حوض البحر الابيض المتوسط هذا المناخ الملائم لزراعتها فقط .
وذكرت ايضا الشجرة المباركة في القرآن الكريم بقوله تعالى :
"وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنۢبُتُ بِٱلدُّهْنِ وَصِبْغٍۢ لِّلْءَاكِلِينَ"
واقسم الله بها في كتابه العزيز في سورة التين؛ لما لها من اهمية كبيرة في الامن الغذائي المنزلي منذ عصور وأزمنة غابرة وفي الحضارات القديمة، وما زالت أشجارها التي غرست منذ ايام الرومان ضاربة في عمق الارض إلى يومنا هذا، ويعتبر الشجر الرومي من اجود انواع الزيتون وذلك لضخامته وسماكة سيقانه ووفرة عطاؤه من الغلة السنوية الموسمية للقطاف.
الشجرة المباركة تزرع في بلدان حوض البحر الابيض المتوسط.. والأردن يعد جزء من خارطة دول حوض البحر الابيض المتوسط وتم ترتيبه من اكثر الدول التي تهتم وتنتشر فيه اشجار الزيتون (في احصائية غير دقيقة صدرت في السنوات الاخيرة انه يوجد في الاردن اكثر من خمس عشرة مليون شجرة زيتون مثمره ) تمتد على امتداد الوطن وخاصة في وسط وشمال المملكة حتى اصبحت وجود هذه الاشجار علامة فارقه للمحافظات والقرى (كأن نقول زيت عجلون او زيت سوف..وهكذا )
تعد زراعة الزيتون قديمة في الاردن وشاهدة على حضارته وتاريخه الزراعي، والدليل على ذلك وجود معاصر زيتون قديمه مصنوعة من الحجارة الملساء الثقيلة القوية وكبيرة الحجم في منطقة الاغوار ومادبا والمفرق، وفي شمال الأردن ِ.. وهذا اثبات واضح على قدم موطن هذه الشجرة المباركة في بلادنا.
تتوائم بلاد الشام في التماثل والتشابه بزراعة اشجار الزيتون، وتتوحد الممارسات اليومية في موسم القطاف، والتي هي عبارة عن عرس شعبي وموسم خير وفرح واستبشار بالغله السنوية لتحقيق أمن غذائي منزلي كان وما زال في البيوت الشامية (بلاد الشام ) وكذلك عنصر اساسي في المطبخ لا يمكن الاستغناء عنه ورافدا اساسيا وداعما اقتصاديا يعود على الدخل الوطني والفردي، ويعزز الاقتصاد في حركة التصدير لدول الخليج وشرق آسيا وغرب اوروبا والولايات المتحدة الأمريكيه.
زيت الزيتون في بلدنا الحبيب يعد مقياس يقاس به الدخل ومقدار الثروة عند الفلاحين، اذ يصبح حديث المجالس وسهرات الشتاء وسواليف الدكاكين ..فلان كم عصر ووو ..!
الا ان نسبة الزيت متذبذبه سنويا وتختلف من عام لآخر، لانها تعتمد على عوامل كثيرة ومنها:
- نسبة الامطار وامتداد الموسم المطري لفصل الربيع وخاصة تساقط الثلوج فيقال "الثلج ملح الارض" في اعوام تساقط الثلوج يستبشر المزارعون بوفرة ناتج الزيت في سنوات الثلجة وخاصة الثلجات الكبرى.. كعام 1992 حدثت ثلجات متتالية، وكان محصول الزيت ضخم قياسا بالسنوات السابقة واللاحقه.
- موجات الحر في فصل الصيف القائض كصيفنا المنصرم تؤثر على كمية الناتج سلبا
- حدوث رياح قويه وجافه في فترة ازهار الزيتون، اذ تحتاج البراعم للبروده كي تبقى داخل الزهرة، وهذا ما يدركه الفلاحون بالخبرة والفطرة ويحددون مصير موسم الزيتون القادم ان كان جيدا او غيره بقولهم (الزيتون انضرب ) وهذا يحدد في فترة الازهار في شهر نيسان.
-تبادل الحمل اذ يعرف في الموروث الشعبي والثقافة الزراعية عند الفلاحين ان الزيتون (يغلُّ عاما ويمحلُ عاما ).
أشجار الزيتون تغطي معظم الاراضي الزراعية في وسط وشمال المملكة، واغلب الزراعة الفرديه في الاردن تعتمد على زراعة الزيتون، ويفضل الناس زراعة الزيتون في الارض الكسار عن ارض القرار، وارض الكسار هي الارض المنحدره، والقرار هي الاراضي السهليه.. حيث ان ارض القرار تحتاج الى كمية كبيرة من الماء من اجل وصول الماء إلى الجذور ، وذلك لعمقها وكميات الامطار متذبذبه ومختلفه لا تكفي للري في جميع المواسم السنويه المتعاقبه.
وكذلك من حيث الجوده والكميه يفضل زراعة الزيتون في ارض الكسار لقلة عمقها وبقاء الرطوبة على جذورها وان شحت وندرت كمية الامطار .
يوجد اسماء ومسميات كثيرة لأصناف الزيتون يميزها المزارعون مثل:
النبالي والبلدي والسوري والبري وبلدي على سوري ..اسرائيلي وغيرها..
اصبح للتكنولوجيا الزراعية وهندسة الجينات الزراعية دورا يعتمد عليه ومرجعا في توعية المزارعون، حيث لم تبقى الزراعة تقليديه في الاردن وبقية دول العالم، وهنالك مؤسسات وشركات زراعية تنفق الملايين في مجال زيادة الخبرات الزراعية من أجل تطورها وتقدمها؛ كي تسد الاحتياجات العالميه ومواجهة الافواه الآكله والاستهلاك العالمي المتزايد، وتحقق اقصى الاهداف الربحية.
شجرة الزيتون هي من جل اهتمام خبراء الزراعة؛ لاهميتها في الغذاء والتغذيه والقيمه العاليه التي تمنحها للجسم في الطاقة والحيوية.
اصبحت منتوجات الزيت تدخل في مجال الصحة والجمال عدا عن انها داعم غذائي كبير، واقتصاديا في قطاع الزراعة امتدت لتكون مساهما وداعما لقطاع الصناعة.
اذ يمكن تناول زيت الزيتون كغذاء أساسي يومي يقدم على المائدة في كل الوجبات، وعنصر في معظم الاطباق وخاصة الاكلات الشعبية، وكما يقال:
"بيت فيه زيت لا يجوع اهله"
ويقال أيضا:
"الخبز والزيت عمار البيت "
يعد زيت الزيتون اهم عنصر في مؤونة البيت إذ يضاف للمخللات والمكابيس وكذلك الرصيع (الزيتون الاخضر) أهم غذاء داخل المطبخ و مخلل الزيتون الاسود الى جانب زيت الزيتون.
يمكن الاستفادة من
مخلفات عصر الزيتون (الجفت ) للتدفئة وتصنيع الصابون وغيرها.
قديما كان يتم عصر الزيت من ثمار الزيتون بطرق يدوية تقليدية متعبة وشاقة وكانت تستغرق وقتا وجهدا لان المحصول كان قليل والتكنولوجيا لم تدخل معترك الحياة بعد.
اذ كان يتم استخلاص الزيت من الزيتون باستخدام (البد ) والبد هو عباره عن صخره كبيره(المدريسيه )توضع في حفره عميقه قليلا من الصخر الصلب الناعم المصقول تسمى (الجرن).
ثم توضع حبات الزيتون بعد قطافها في الجرن وتقوم المرأة وهي المعنية باستخراج الزيت بتحريك (المدريسيه ) في كل الاتجاهات من أجل هرس الزيتون ودقه.
تستمر هذه العملية عدة أيام حتى يطفو الزيت فوق معجون الزيتون ويتم غرفه !
تكون هنا المؤونه قليله لكنها تستمر على مدار العام؛ لندرة الزيت وقلته ايام زمان ،ويتم استهلاكه بالتقتير والتدبير من قبل سيدة المنزل.
تنتشر معاصر الزيتون الأتوماتيكيه الحديثه في كل انحاء المملكه، وخاصه الاماكن التي تكثر فيها اشجار الزيتون، مما يعود بالفائدة والربح على اصحاب المعاصر وتساهم في توفير فرص عمل للعاطلين عن العمل في المعاصر والعمل بقطاف ثمار الزيتون.. خاصه ان موسم القطاف يمتد ما يقارب الثلاثة شهور من بداية شهر تشرين الأول في المناطق الحارة كالغور وتمتد لنهاية كانون الأول في المناطق الباردة كعجلون..
وبحسب تصريح مسؤول في جمعية اصحاب معاصر الزيتون ان الزيت الذي يعصر باكرا اكثر جودة من الذي يتم تأخيره، ولكن الزيت تكون كميته أكثر اذا تأخر موعد قطافه بعد شتوة الزيتون والرأي الشعبي يخالف ذلك !
في موسم الخير موسم قطاف الشجرة المباركة تنشط في الذاكرة الشعبية وروزنامة الفلاحين ذكريات جميلة لا يمكن ان يمحوها مر السنون!
كان موسم القطاف يشبه بالعرس الشعبي من شدة الفرح الغامر الذي يعيشه الناس في التعاون والمحبه والعمل بطاقه ايجابيه.
يشارك في جني ثمار الزيتون جميع افراد الاسرة والمجتمع.
الفرح يغمر الناس لجمال الطبيعة اذ يكون الطقس معتدلا ولطيفا في(تشارين) موسم القطاف هذا عدا عن انتظار الغله التي تبهج البيت وتدخل الفرح والسرور على المجتمع برمته.
ابرز الصفات الايجابية التي يتميز بها المجتمع في موسم القطاف التعاون اذ يسعى كل فرد لتقديم المساعدة للمزارعين.. سواءا في القطاف او اعمال التحميل والعصر وتحضير الطعام للذين يكونوا منهمكين في جني المحصول ويسابقون الزمن، حيث يقصر النهار (ايام الزيت اصبحت أمسيت) وقبل حلول الشتاء فحركة الهواء والغيوم تنذر بقدوم الغيث !
ومن العادات الجميلة في اردننا الحبيب في موسم الخير اخراج فريضة الزكاة وتوزيع نسبة من الزيت على الفقراء والأقارب وخاصة الذين لا يملكون ارض مزروعة باشجار الزيتون.
كانت النسوة يستيقظن باكرا لخبز العجين في فرن الطابون وتحضير الطعام (الزاد والماء وادوات الشاي) حيث يحملها الفراطين للارض؛ والفراطين جميع افراد الاسرة وحتى الرضيع مع والدته وسريره. ويردد الناس اهازيج وهجيني واغاني شعبية يرددونها فيما بينهم لاثارة النشاط والحماس وتخفيف التعب اثناء عملية جني المحصول (الفراط )
يتم اخذ المفارش وشوالات الزيتون والسلم والسيبه والعصي الطويلة الرفيعة وعلب بلاستيكيه فارغة
جميعها تستخدم في جني ثمار الزيتون.
الشباب تصعد الى أعلى الشجرة لجني العالي والبعيد من الثمار ، وبقية افراد الاسرة تلتف كالاسواره حول المعصم حول الشجره.. تجمعهم بخيرها وبركتها على حب الارض ..ليزدادوا قوة وثباتا؛ كثباتها وقوتها ليشعر كل واحد منهم ان للانسان جذور ضاربة بالعمق !! يماثل ويحاكي الجذور اللي تثبت الشجره.
جني محصول الزيتون ملحمه تراثيه شعبيه وعرس وطني يبث الخير والتفاؤل في موسم الفرح.
وتشهد فضاءآتنا الصافيه على عشقنا وانتماؤنا،
في مشهد تصوره الارض والنبات و الانسان في عرس شعبي في موسم القطاف.