أخبار اليوم - الموازنة العامة ليست مجرد أرقام في جداول، بل هي الخطة السنوية التي تحدد كيف ستصرف الحكومة أموالها وفي أي المجالات ستُنفق: التعليم، الصحة، البنية التحتية، الأمن والدعم وغيرها.
ومن خلالها يستطيع المواطن أن يعرف اتجاه الدولة الاقتصادي وأولوياتها الحقيقية في خدمة الناس.
ولأنها قانون مالي يمس حياة الجميع، فقد نظمها الدستور الأردني بنصوص واضحة وبيّن دور كل طرف فيها من الحكومة إلى البرلمان.
الخطوة الأولى: إعداد الموازنة داخل الحكومة
تبدأ القصة داخل مجلس الوزراء حيث تُشرف وزارة المالية على جمع تقديرات الإيرادات والنفقات من جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية.
تقدّم كل جهة طلباتها المالية واحتياجاتها التشغيلية والمشروعات التي تنوي تنفيذها ثم تُراجعها وزارة المالية وتدمجها في مشروع قانون الموازنة العامة.
يُقرّ مجلس الوزراء المشروع النهائي ويرسله إلى مجلس الأمة قبل شهر على الأقل من بداية السنة المالية الجديدة كما نصت المادة (112) من الدستور.
الخطوة الثانية: جلسة خطاب الموازنة تحت القبة
بعد وصول المشروع إلى البرلمان يُدرج على جدول أعمال مجلس النواب لعقد جلسة رسمية عامة يحضرها رئيس الوزراء وجميع أعضاء الحكومة.
وفي هذه الجلسة يتقدّم وزير المالية لإلقاء خطاب الموازنة العامة أمام النواب، وهو خطاب مهم جدًا يوضح السياسة المالية للحكومة وأهدافها الاقتصادية وحجم الإنفاق والإيرادات والعجز المتوقع وكيف ستتعامل الحكومة مع التحديات الاقتصادية في العام القادم.
يُعد هذا الخطاب الإعلان الرسمي عن خطط الحكومة المالية أمام الشعب عبر ممثليه في البرلمان.
الخطوة الثالثة: إحالة الموازنة إلى اللجنة المالية
بعد انتهاء خطاب وزير المالية يُحال مشروع قانون الموازنة إلى اللجنة المالية النيابية لدراسته تفصيليًا.
تبدأ اللجنة بعقد اجتماعات مكثفة تمتد لأسابيع، وتستدعي الوزراء والمديرين والمسؤولين من مختلف الجهات الحكومية لتناقش معهم بنود الموازنة وتفاصيلها ومبررات الإنفاق.
ويحق لكل نائب حضور هذه الاجتماعات حتى وإن لم يكن عضوًا في اللجنة المالية ليشارك في النقاش أو يقدّم ملاحظاته.
وبعد انتهاء المناقشات تُعد اللجنة تقريرها النهائي الذي يتضمن توصياتها وملاحظاتها حول الإيرادات والنفقات وتقترح أحيانًا تعديلات أو تخفيضات على بعض البنود.
الخطوة الرابعة: مناقشة الموازنة العامة في مجلس النواب
بعد أن تُنجز اللجنة تقريرها يُدرج مشروع قانون الموازنة مجددًا على جدول أعمال المجلس لمناقشته بشكل علني.
يبدأ النواب بإلقاء كلماتهم وفق جدول زمني محدد، وتُبث الجلسات مباشرة لأنها تمثل التفاعل الحقيقي بين الحكومة والنواب والشعب.
وهنا يتجلى دور النائب:
فهو لا يكتفي بإبداء الرأي بل يمارس صلاحياته التشريعية والرقابية.
يحق له أن يقترح تخفيض النفقات في أي فصل يراه مبالغًا فيه أو يطالب بإعادة ترتيب الأولويات لكنه لا يستطيع زيادة النفقات أو إدخال بنود جديدة إلا بموافقة الحكومة حفاظًا على التوازن المالي للدولة.
الخطوة الخامسة: ردّ الحكومة على ملاحظات النواب
بعد انتهاء جميع كلمات النواب والكتل يتقدّم رئيس الوزراء بالرد على الملاحظات والاقتراحات بمشاركة وزير المالية الذي يوضح التفاصيل الفنية والأرقام الدقيقة.
وفي بعض الأحيان تُعلن الحكومة تبنّي توصيات محددة من اللجنة المالية أو من النواب قبل الانتقال إلى مرحلة التصويت.
الخطوة السادسة: التصويت على الفصول
يبدأ المجلس بالتصويت على الموازنة فصلًا فصلًا (مثل: التعليم، الصحة، الدفاع، التنمية…).
ويملك مجلس النواب حق تخفيض النفقات في أي فصل يراه مبالغًا فيه لكنه لا يستطيع زيادتها أو إضافة بنود جديدة إلا بموافقة مجلس الوزراء.
ثم يُصوّت المجلس على مشروع القانون كاملًا ويُحيله إلى مجلس الأعيان.
الخطوة السابعة: دور مجلس الأعيان
بعد إقرار الموازنة من مجلس النواب تُحال إلى مجلس الأعيان لمناقشتها والتصويت عليها.
إذا وافق الأعيان على ما أقره النواب تُرفع الموازنة إلى جلالة الملك للمصادقة عليها.
أما إذا اختلف المجلسان فيُعقد اجتماع مشترك للفصل في الخلاف ثم تُرفع الصيغة النهائية إلى جلالة الملك حسب أحكام الدستور.
الخطوة الثامنة: في حال رفض الموازنة
إذا رفض مجلس النواب مشروع قانون الموازنة، تُعاد إلى الحكومة لإعادة النظر فيه أو تعديله.
لكن إذا لم تُقر الموازنة قبل بداية السنة المالية الجديدة، فتنص المادة (113) من الدستور على أن تستمر الحكومة بالإنفاق شهريًا بنسبة (1/12) من موازنة السنة السابقة لضمان استمرار دفع الرواتب وتشغيل المؤسسات العامة.
الخطوة التاسعة: مصادقة جلالة الملك
تُعد مصادقة جلالة الملك عبدالله الثاني الخطوة الدستورية قبل الأخيرة في مسار الموازنة العامة.
فبعد موافقة مجلس الأمة تُرفع الموازنة إلى جلالته للتصديق عليها، وبذلك تصبح قانونًا مُعتمدًا من الدولة.
الخطوة العاشرة: نشر الموازنة في الجريدة الرسمية
بعد المصادقة الملكية تُنشر الموازنة العامة في الجريدة الرسمية لتصبح قانونًا نافذًا.
ومن هذه اللحظة تبدأ الحكومة بتنفيذ بنودها تحت رقابة مجلس الأمة وديوان المحاسبة الذي يراقب الالتزام بالمخصصات المالية ويرفع تقريرًا سنويًا يتضمن ملاحظاته وتوصياته لضمان الشفافية والمساءلة.
#المحامي_حسام_حسين_الخصاونة
#عضو_المكتب_السياسي_للحزب_الوطني_الإسلامي