الحرم الإبراهيمي .. صراع طويل على الوجود والهوية

mainThumb
الحرم الإبراهيمي.. صراع طويل على الوجود والهوية

01-12-2025 03:39 PM

printIcon

أخبار اليوم - في قلب الخليل العتيقة، حيث تتداخل الأزقة الحجرية مع ظلال المآذن، يقف المسجد الإبراهيمي شامخا كأنفاس قرون طويلة حملت صلوات الأنبياء ونداءات المؤمنين. هناك، حيث يهبّ النسيم محملا برائحة التاريخ، استيقظ المكان هذا الأسبوع على خطوة إسرائيلية جديدة تضيق على قدسيته، خطوة بدت كيد تمتد إلى عمق الحرم لتعيد رسم ملامحه بالقوة، وتعبث بميزان روحه وهيبته. فالاحتلال الذي يثقل المدينة بحواجزه ومستوطناته، يحاول اليوم أن ينتزع من الحرم مساحاته الداخلية، وباحاته التي لطالما احتضنت المصلين، في تصعيد يبعث على القلق ويكاد يختصر عقودا من الصراع على الحجر والهوية والمكان.

وأدانت حركة حماس قرار سلطات الاحتلال الأخير بالاستيلاء على الباحة الداخلية للمسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل والتحكم بشبكات الكهرباء والمياه الخاصة به، واعتبرت الخطوة اعتداء صارخ على قدسية المسجد ومكانته الدينية، وجزء من ما وصفته بالمخطط المتواصل لتهويد المقدسات الإسلامية وتغيير معالمها.

وقالت الحركة في بيان صحفي إن هذا القرار يأتي ضمن سياسة ممنهجة لفرض السيطرة الكاملة على المسجد الإبراهيمي، محذرة من ان التصعيد الجديد يمهد لتغييرات بنائية وقانونية تهدد هوية الحرم التاريخية. كما دعت المؤسسات الدولية والحقوقية للتدخل العاجل ووقف هذه الاعتداءات.

من جانبها، أكدت وزارة الاوقاف الفلسطينية وادارة الحرم رفضها للخطوة، ووصفتها بانها انتهاك للقوانين الدولية وللوضع التاريخي القائم في المسجد المصنف موقع تراث عالمي. واشارت مصادر محلية الى ان القرار الإسرائيلي يأتي بعد سلسلة خطوات خلال العام الأخير شملت نقل صلاحيات التخطيط والانشاء داخل الحرم الى جهات إسرائيلية، ومحاولات لإجراء تغييرات في ساحاته، بما في ذلك تركيب اسقف معدنية في اجزاء منه.

ويأتي القرار الجديد امتدادا لتاريخ طويل من الاعتداءات على المسجد الإبراهيمي. فمنذ احتلال مدينة الخليل عام 1967، فرضت دولة الاحتلال قيودا متزايدة على المكان.

وفي عام 1994 ارتكب المستوطن باروخ غولدشتاين مجزرة الحرم التي اسفرت عن استشهاد 29 مصليا، لتتبعها إجراءات قاسية تمثلت بتقسيم المسجد بين المسلمين واليهود وتشديد الحواجز العسكرية حوله. وخلال السنوات اللاحقة استمرت الاقتحامات والإغلاقات ومنع المصلين من الوصول اليه في العديد من المناسبات، الى جانب فرض قيود على اعمال الترميم والصيانة.

سيطرة شبه كاملة

وقال معتز أبو سنينة، مدير الحرم الإبراهيمي الشريف لـ "فلسطين أون لاين"، إن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي بحق المقدسات الإسلامية في الخليل "لم تعد مستغربة"، موضحا ان سلطات الاحتلال تفرض سيطرة شبه كاملة على الحرم بنسبة تتجاوز 63%، عبر شبكة معقدة من الحواجز العسكرية والبوابات الإلكترونية التي تطوق المكان وتحاصر المصلين.

وأضاف أبو سنينة ان الانتهاكات تصاعدت في الأسابيع الأخيرة بشكل "لم يسبق له مثيل"، مشيرا الى ان قوات الاحتلال أغلقت جميع مداخل الحرم باستثناء مدخل واحد ضيق يخضع لإجراءات تفتيش مشددة. وأوضح ان هذا الإغلاق ترافق مع اعتداءات مباشرة على مرافق الحرم، بينها العبث بشبكة الكهرباء ومحاولات رسمية لنقل صلاحية إدارتها من بلدية الخليل إلى مجلس مستوطنة كريات أربع، إضافة إلى تدخلات مشابهة في شبكة المياه بهدف فرض وقائع جديدة على الأرض.

وكشف أبو سنينة عن أن الفترة الأخيرة شهدت اقتحامات متعددة من أعضاء بارزين في الكنيست الإسرائيلي، بعضهم أطلق تصريحات وصفها بأنها "خطيرة ومتعمدة" تزعم ان الحرم الإبراهيمي "مكان مقدس يهودي"، وهو ما اعتبره "محاولة لسرقة التاريخ وتشويه الحقيقة". وقال: "هذه الادعاءات لا تستند إلى أي أساس ديني او قانوني، وهي مخالفة واضحة للاتفاقيات الدولية التي تحمي الأماكن المقدسة".

وأشار مدير الحرم الى ان الاحتلال يستغل الظروف السياسية والأمنية لفرض تغييرات تهدف إلى طمس الهوية الإسلامية للمكان.

وأضاف: "نشهد محاولات منهجية لتهويد الحرم خطوة خطوة. يعبثون بالبنية التحتية، يسيطرون على المداخل، يمنعون المصلين، ويفرضون روايات كاذبة. الهدف واضح: تغيير معالم الحرم وتحويله من مسجد إسلامي الى موقع يخضع بالكامل للسيطرة الإسرائيلية".

وأكد أبو سنينة أن العاملين في الحرم يوثقون بشكل يومي ما وصفه بأنه "تعديات ممنهجة"، وقال: "ما يجري ليس اجراءات عابرة، بل مخطط يستهدف المكان كله. الاحتلال يريد محو الوجود الإسلامي من قلب الخليل، لكننا نرفض ذلك وسنبقى شهودا على الحق مهما حاولوا تغييب الحقيقة".

اعتداءات خطيرة

من ناحيته، قال تيسير أبو اسنينة، رئيس بلدية الخليل، إن قرار الاحتلال بالاستيلاء على الباحة الداخلية للمسجد الإبراهيمي الشريف "يمثل اعتداء خطير ومباشر على هوية المدينة وتراثها الديني والإنساني"، مؤكدا ان ما يجري "تجاوز خط أحمر لم يعد يحتمل الصمت".

وأضاف أبو اسنينة: "نحن أمام محاولة مكشوفة لفرض سيادة إسرائيلية كاملة على أقدس معالم الخليل. الاحتلال يتصرف وكأنه صاحب الحق في المكان، متجاهلا التاريخ والإنسان والقانون وكل المواثيق الدولية".

وأشار إلى أن عمليات الإغلاق، وتشديد الحواجز، ومنع الموظفين من أداء مهامهم داخل الحرم، وتحويل مداخله إلى نقاط تفتيش عسكرية، تعكس نية الاحتلال فرض واقع جديد بالقوة.

وقال: "الاحتلال يريد خلق بيئة تؤدي في النهاية إلى تحويل الحرم إلى ثكنة عسكرية، ثم إلى موقع يهودي بالكامل. هذه سياسة ليست جديدة، لكنها الآن تجري بسرعة وبصورة سافرة".

ووصف رئيس البلدية تدخل المستوطنين والوزراء وأعضاء الكنيست في الحرم خلال الأشهر الأخيرة بأنه "تحريض رسمي ومدروس"، مضيفا: "حين يأتي مسؤول سياسي إسرائيلي ليقتحم الحرم ويعلن أنه مقدس يهوديا، فهو لا يعبّر عن رأي شخصي بل عن برنامج حكومي يريد تغيير هوية المكان".

وأكد أبو اسنينة أن بلدية الخليل لن تقبل بأي محاولة لانتزاع سيادتها القانونية والإدارية على الحرم ومحيطه، قائلا: "لن نتخلى عن مسؤوليتنا تجاه الحرم، ولن نسمح للاحتلال بسرقة قلب الخليل. الحرم الإبراهيمي ليس عقارا ولا منشأة، بل هو ذاكرة، وهوية، وجزء من روح المدينة. ومن يمسّ بهذه الروح إنما يعتدي على كل فلسطيني"

المصدر / فلسطين أون لاين