أخبار اليوم - الأستاذ عبد البري
جنوب شرق مدينة طولكرم، وعلى تلةٍ تعانق الريف وتحتضن إرثاً حضارياً ضارباً في القدم، تقف قرية سفارين كواحدة من القرى الفلسطينية التي جمعت بين التاريخ العريق والواقع الصعب، وبين موروث العلماء وتحديات الإغلاق العسكري.
موقع جغرافي غني بالتراث :
تقع سفارين على بعد نحو 20 كم من مدينة طولكرم، وتتبع إداريًا لبلدية عنبتا في لواء طولكرم. تمتد أراضيها على مساحة تُقدَّر بنحو 9700 دونم، منها 270 دونمًا مساحة عمران القرية. وتحاصرها جغرافيًا قرى بيت ليد شرقًا، كفر اللبد شمالًا، شوفة غربًا، وكور وكفر صور والراس جنوبًا.
وتنعكس الطبيعة الجبلية على مناخها المعتدل المتأثر بقربها من البحر المتوسط.
أصل التسمية والجذور السكانية :
يرجّح الباحثون أن اسم سفارين هو تحريف لـ «سفرين»، في إشارة إلى الأسفار والكتب، وهو ما ارتبط لاحقًا بسمعة القرية كموئل للعلماء وحاضنة للمعرفة.
ويعود أصل جزء من سكانها إلى قبائل حجازية نزحت إلى فلسطين، بينما يرجع قسم آخر إلى منطقة صبارين من أعمال حيفا قبل النكبة.
إرث حضاري يمتد إلى العصر الحجري
لم تكن سفارين قرية عادية عبر التاريخ؛ فقد كشفت أعمال تنقيب أثرية عن وجود مستوطنة بشرية تعود إلى العصر الحجري الحديث – ما قبل الفخاري، بما في ذلك جماجم مغطاة بالجص تشير إلى ممارسات دينية مرتبطة بعبادة الأسلاف، وهو اكتشاف نادر في فلسطين.
موطن الشيخ محمد السفاريني:
تفتخر القرية بأنها مسقط رأس الشيخ محمد السفاريني (1114هـ)، أحد أبرز علماء القرن الثامن عشر، الفقيه والمحدث والمؤرخ صاحب الشروح الفقهية، وأشهرها شرح ثلاثيات الإمام أحمد بن حنبل.
وقد انتقلت أسرته لاحقًا إلى طولكرم ويافا وعُرفت هناك باسم آل حنون.
المرافق والخدمات :
تطورت خدمات القرية عبر العقود.
بينما أشارت الإحصاءات القديمة إلى وجود مسجد واحد ومدرسة ابتدائية وغياب مرافق صحية، فإن سفارين اليوم تضم مسجدين ومدرسة مختلطة حتى مستوى التوجيهي الأدبي، إضافة إلى عيادة طبية تخدم الأهالي.
وتتميز القرية بارتفاع ملحوظ في مستويات التعليم، إذ تُظهر إحصائيات أممية عام 2010 أنّها من أعلى التجمعات الفلسطينية في نسب التحصيل العلمي داخل البلاد والمهجر.
سكانها بين الوطن والمهجر:
بلغ عدد سكان القرية نحو 1500 نسمة عام 2009، ارتفعوا إلى 1700 نسمة عام 2010، بينما يعيش آلاف من أبنائها في الشتات، خاصة في الزرقاء بالأردن، إضافة إلى الأردن عمومًا، الكويت، والسعودية والإمارات.
ويُعد تجمع الزرقاء أكبر تجمع سفاريني خارج فلسطين.
معاناة يومية بسبب الإغلاق العسكري :
رغم تاريخها الزاهر، تواجه سفارين واقعًا صعبًا بفعل الإغلاق المتكرر لمداخلها من قبل قوات الاحتلال، خاصة المدخل الشمالي، ما يعطل حركة السكان ويؤثر على الطلبة والمرضى والعمال.
ويرى السكان أنّ هذه الإغلاقات تمثل انتهاكًا لحرية الحركة وتُفاقم الأعباء الاقتصادية والاجتماعي .
خلاصة :
سفارين قرية تجمع بين التاريخ الضارب في القدم، والإرث العلمي العريق، وواقع نضالي يواجه سياسات الإغلاق والحصار. ورغم صِغر حجمها، إلا أنها صنعت لنفسها مكانة مميزة في الذاكرة الفلسطينية، من خلال علمائها، وتراثها، وأبنائها المنتشرين في الوطن والمهجر.
صوت العروبة