بين فيضان الأودية وعطش الصيف: لماذا يفشل الأردن في حصاد مياهه؟

mainThumb
بين فيضان الأودية وعطش الصيف: لماذا يفشل الأردن في حصاد مياهه؟

16-12-2025 04:50 PM

printIcon

عمّان – أخبار اليوم - أثار طرح متداول حول ملف المياه في الأردن، تزامنًا مع الهطولات المطرية الأخيرة، نقاشًا واسعًا بين المواطنين والخبراء والمهتمين بالشأن العام، أعاد إلى الواجهة أسئلة قديمة متجددة تتعلق بإدارة الموارد المائية، والحصاد المائي، ودور الدولة في الاستفادة من مياه الأمطار بدل فقدانها كل عام.

النقاش انطلق من واقع يلمسه المواطنون مباشرة، يتمثل في فيضان الأودية، وامتلاء السدود ثم تصريف جزء من المياه، مقابل استمرار شكاوى شحّ المياه خلال الصيف، وتقنين التزويد، واضطرار الأسر إلى شراء المياه. هذا التناقض شكّل جوهر التساؤل: لماذا لا تتحول كميات الأمطار التي تهطل سنويًا إلى مخزون فعلي ومستدام يخفف الأزمة بدل أن تذهب دون استفادة كافية؟

في صلب النقاش برز ملف السدود، حيث طُرحت ملاحظات حول محدودية سعتها، وارتفاع نسب التبخر، وتراكم الطمي فيها، ما يقلل قدرتها التخزينية عامًا بعد عام. واعتبر مشاركون أن صيانة السدود القائمة، وإزالة الطمي منها خلال فصل الصيف، لا تقل أهمية عن إنشاء سدود جديدة، خصوصًا في بلد يعاني من فقر مائي مزمن. كما جرى التطرق إلى فكرة السدود المتتابعة والحفائر الترابية الصغيرة، بوصفها حلولًا عملية أقل كلفة وأكثر ملاءمة لطبيعة الأردن الجغرافية.

إلى جانب ذلك، دار نقاش لافت حول القيود المفروضة على جمع مياه الأمطار من قبل المواطنين، سواء عبر حفر آبار تجميع منزلية أو الاستفادة من البرك الطبيعية، حيث رأى كثيرون أن القوانين الحالية تعيق المبادرات الفردية، وتتعامل مع المواطن باعتباره مخالفًا بدل شريك في إدارة الأزمة. واعتُبر هذا النهج سببًا في فقدان كميات كبيرة من المياه التي كان يمكن استثمارها محليًا، خاصة في المناطق الجبلية والريفية.

كما شمل النقاش البعد الإداري والمؤسسي، إذ طُرحت تساؤلات حول غياب التنسيق بين الجهات المعنية بالمياه، والبيئة، والبلديات، والأشغال العامة، والدور الذي يمكن أن تقوم به المؤسسات الوطنية ذات الإمكانيات الفنية والهندسية في تنفيذ مشاريع حصاد مائي واسعة النطاق. وذهب بعض الآراء إلى أن المشكلة ليست في نقص الخبرات أو المعدات، بل في غياب القرار التنفيذي الحاسم، وتأجيل الملفات الحيوية لصالح أولويات أقل إلحاحًا.

وفي خلفية هذا الجدل، حضرت قضية الاعتماد على مصادر خارجية للمياه، وما يرافقها من حساسية سياسية واستراتيجية، حيث رأى مشاركون أن استمرار ضعف الاستثمار في الحلول الوطنية يعمّق هذا الاعتماد، ويجعل الأمن المائي عرضة لعوامل خارجية، في وقت يفترض فيه أن تكون إدارة المياه جزءًا من مفهوم السيادة الوطنية.

ولم يخلُ النقاش من مقارنات مع تجارب تاريخية ومحلية، استحضرت نماذج قديمة وحديثة في إدارة المياه والحصاد المائي، للتأكيد على أن الحلول ليست جديدة أو مستحيلة، بل تحتاج إلى إرادة واضحة، وتخطيط طويل الأمد، ونقل النقاش من مستوى الكلام الموسمي إلى برامج تنفيذية قابلة للقياس.

ويكشف هذا الجدل، في مجمله، عن فجوة بين وعي الشارع بحجم أزمة المياه وتعقيداتها، وبين السياسات المطبقة على أرض الواقع، ما يطرح سؤالًا مركزيًا يتكرر مع كل موسم مطري: هل تتحول هذه النقاشات إلى مراجعة شاملة لسياسات إدارة المياه والحصاد المائي، أم تبقى الأزمة حاضرة كل شتاء، وتعود بأثقل صورها مع أول صيف؟