أخبار اليوم – سهم محمد العبادي - مع بدء الحديث عن ملامح موازنة عام 2026، عاد النقاش بين الأردنيين حول الزيادة المنتظرة على الرواتب، وما إذا كانت قادرة على إحداث أي فرق في حياة الناس. فالأرقام المتداولة عن زيادة قد لا تتجاوز عشرة أو عشرين ديناراً تثير تساؤلاتٍ واسعة: هل هذه المبالغ قادرة على مواجهة غلاء المعيشة؟ أم أنها ستذوب سريعاً تحت ضغط الأسعار والضرائب المتصاعدة؟
يقول مواطنون إن المشكلة ليست في الرقم، بل في فلسفة التعامل مع الدخل. فزيادة محدودة في الرواتب، دون إصلاح اقتصادي متكامل، لا يمكن أن تغيّر واقعاً يزداد صعوبة عاماً بعد عام. فكل تجربة سابقة أثبتت أن أي زيادة تُقابلها ارتفاعات فورية في الأسعار والرسوم، لتتحول النتيجة في النهاية إلى “دوران في المكان” لا يشعر به المواطن إلا عبئاً إضافياً على جيبه.
ويشير مختصون إلى أن الحل لا يكمن في زيادة الأجور بقدر ما يكمن في إعادة هيكلة السياسات المالية وضبط الضرائب غير المباشرة، خصوصاً ضريبة المبيعات التي تطال معظم السلع الأساسية. فالمطلوب اليوم، كما يقول خبراء الاقتصاد، هو إصلاح يُعيد التوازن بين الدخل والإنفاق، ويضمن استقرار السوق وقدرة المواطن على تلبية احتياجاته من دون قروض أو استدانة.
الحديث عن موازنة 2026 لا ينفصل عن هذا السياق؛ فالمواطن ينتظر أن يرى في أرقامها انعكاساً حقيقياً لاحتياجاته اليومية، لا مجرد بنود شكلية عن “تحسين الرواتب” أو “تحفيز النمو”. ويؤكد كثيرون أن أول اختبار للموازنة المقبلة سيكون في مدى عدالتها الاجتماعية، أي في قدرتها على دعم الفئات محدودة الدخل والمتقاعدين، وعلى خلق توازن بين دخل المواطن وكلفة المعيشة التي أصبحت تتجاوز طاقته.
ويطالب متقاعدو الضمان الاجتماعي والمتقاعدون العسكريون والمدنيون بأن تشملهم أي زيادة مقبلة، مؤكدين أن العدالة تقتضي المساواة في الحماية المعيشية، لا التفرقة بين من هم على رأس عملهم ومن خدموا لسنوات طويلة. ويعتبر هؤلاء أن إنصاف المتقاعدين جزء لا يتجزأ من مسؤولية الدولة تجاه أبنائها الذين أفنوا أعمارهم في الخدمة العامة.
ويرى آخرون أن موازنة 2026 يجب أن تنطلق من رؤية أعمق، تتجاوز فكرة "الزيادة في الراتب" إلى مفهوم "القوة الشرائية". فالدينار الأردني لم يعد يحتفظ بقيمته الشرائية السابقة، والزيادات الصغيرة لن تعني شيئاً ما لم تُعالج أسباب الغلاء في مصدرها، من كلفة النقل والطاقة إلى الضرائب المتراكمة ورسوم الخدمات.
ويؤكد اقتصاديون أن الحكومة أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن تتعامل مع ملف المعيشة من زاوية شكلية تكرّر تجارب السنوات الماضية، أو أن تفتح الباب لإصلاح اقتصادي جاد يُعيد الثقة ويشعر به المواطن في حياته اليومية. فالقضية لم تعد أرقاماً في بند الرواتب، بل مسألة ثقة وعدالة وتوازن اجتماعي.
وفي نهاية المطاف، يظل السؤال الأكبر معلّقاً في أذهان الأردنيين:
هل ستتحول موازنة 2026 إلى موازنة للإنصاف وتحسين المعيشة فعلاً، أم أنها ستكتفي بزيادات محدودة تُدرج على الورق وتضيع في زحمة الغلاء والضرائب؟