الرأي العام الأردني: ضعف العقوبات وتدخل الواسطات وراء تكرار العنف الجامعي

mainThumb
الرأي العام الأردني: ضعف العقوبات وتدخل الواسطات وراء تكرار العنف الجامعي

20-10-2025 09:26 AM

printIcon

الأردنيون يطالبون بالحزم في مواجهة العنف الجامعي المتكرر

أخبار اليوم – عواد الفالح - في مطلع كل عام جامعي جديد، تعود المشاجرات الطلابية لتفرض حضورها على المشهد الجامعي في الأردن، كأنها موسم لا يغيب. مشاهد الفوضى التي تتكرر عامًا بعد عام، على الرغم من الأنظمة والتعليمات والعقوبات، أعادت هذا الأسبوع النقاش إلى المربع الأول: لماذا تتكرر هذه الأحداث؟ ولماذا لم تعد العقوبات قادرة على الردع؟

الجواب الذي يتفق عليه الشارع الأردني بات واضحًا؛ لأن الحزم غاب والتدخلات حضرت. فكلما اتخذت جامعة قرارًا تأديبيًا بحق المتورطين، تسللت الوساطات وتراجعت الإجراءات، ففقدت العقوبة هيبتها وتحولت من وسيلة ردع إلى مجرد ورقة في الأدراج. وهكذا، لم يعد الطالب يخشى القرار بقدر ما يثق بقدرة أحدهم على إلغائه أو تخفيفه. هذه الثغرة تحديدًا، كما يرى الأردنيون، هي التي سمحت بترسيخ ثقافة الإفلات من العقوبة، وجعلت العنف الجامعي ظاهرة مستمرة لا طارئة.

ويؤكد المتابعون أن العنف داخل الجامعات لا يُقاس بعدد الإصابات أو مدة الاشتباك، بل بمقدار ما يُحدثه من أثرٍ في الوعي العام. فكل مشاجرة تعيد الثقة المفقودة بين الجامعة ومجتمعها خطوة إلى الوراء، وتؤثر على سمعة التعليم العالي الأردني الذي طالما شكّل عنوانًا للانضباط والتميز. وفي ظل هذا التكرار، لم يعد المواطنون يطالبون ببيانات استنكار أو لجان تحقيق، بل بعقوبات واضحة وقاطعة تُنفَّذ بلا تردد.

الأردنيون يربطون بين الحزم وهيبة الدولة. فحين يرى الطالب أن القانون يُطبَّق عليه كما يُطبَّق على غيره، تتكون لديه قناعة بأن العدالة حاضرة وأن المؤسسة الجامعية ليست ساحة نفوذ، بل بيت علم تُدار فيه الأمور بعقل لا بعاطفة. أما حين تُلغى العقوبات بتدخلات، فإن الرسالة التي تصل إلى الطلبة هي أن الفوضى ممكنة، وأن الواسطة أقوى من النظام.

العنف الجامعي ليس مجرد سلوك عدواني عابر، بل مؤشر اجتماعي عميق على غياب الردع التربوي المبكر وضعف الرقابة الأسرية. غير أن مسؤولية الجامعة تبقى حاضرة بوصفها البيئة التي يجب أن تترجم المفاهيم النظرية إلى ممارسات واقعية، فتمنح الطالب الشعور بالأمان والانتماء دون أن تتساهل في تطبيق القوانين. فالصرامة لا تعني القسوة، بل حماية المؤسسة من الانزلاق إلى الفوضى التي لا تليق بمكانٍ يُفترض أنه مصنع للعقول.

اليوم، ومع بداية عام دراسي جديد، تبدو الحاجة ملحّة لإعادة صياغة العلاقة بين الطالب والجامعة على أساس من الاحترام والانضباط والوعي. لا يمكن القبول بأن تتكرر هذه الحوادث كل عام ثم نُعيد النقاش ذاته عن الأسباب والدوافع. المطلوب أن يُستعاد معنى المسؤولية، وأن يُفهم أن الجامعة ليست امتدادًا للشارع أو للمنطقة أو للعشيرة، بل كيان وطني له قانونه ومكانته.

المشهد الأردني العام يختصر الموقف بجملة واحدة: كفى تبريرًا. من يخطئ يتحمل نتيجة فعله، ومن يعتدي يُحاسب دون وساطة أو تردد. فالحزم اليوم ليس ترفًا إداريًا، بل واجب وطني لحماية التعليم وصون هيبة الدولة. الأردن الذي بنى سمعته على الأمن والانضباط لا يليق به أن يرى جامعاته تتكرر فيها الفوضى بلا نهاية. المطلوب أن تُفتح صفحة جديدة عنوانها “القانون أولًا”، وأن يُعاد بناء الانتماء الجامعي على أساس الاحترام، لا الخوف. عندها فقط يمكن أن تعود الجامعة الأردنية وسائر الجامعات إلى مكانتها الحقيقية: فضاءً للعقل، لا ساحةً للعنف.