"تطييب الخواطر" يرسم مشهد مجلس النواب ويضع الديمقراطية أمام سؤال الشارع الأردني

mainThumb
"تطييب الخواطر" يرسم مشهد مجلس النواب ويضع الديمقراطية أمام سؤال الشارع الأردني

23-10-2025 12:09 PM

printIcon


أخبار اليوم - محرر الشؤون البرلمانية - عاد مصطلح “تطييب الخواطر” إلى واجهة النقاش السياسي في الأردن بعد ما رافق ترتيبات رئاسة مجلس النواب من توافقات ولقاءات وجاهات حملت في طياتها رسائل سياسية واجتماعية متشابكة. ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أن التفاهم المسبق بين الكتل والنواب ضروري لتجنّب الانقسامات داخل القبة، يعتبر آخرون أن هذه التفاهمات لا تُعبّر عن روح الديمقراطية بقدر ما تُكرّس نمطًا من تقاسم المناصب وتوزيع النفوذ، بعيدًا عن جوهر العمل البرلماني القائم على التنافس الحر والبرنامج الواضح.

المؤيدون لهذا النهج يقولون إن الأردن في مرحلة تحتاج إلى هدوء سياسي أكثر من أي وقت مضى، وإن الانسجام بين الكتل البرلمانية يضمن دورة تشريعية مستقرة قادرة على تمرير القوانين دون صدام أو تعطيل. ويشير هؤلاء إلى أن الرئاسة المقبلة يجب أن تكون قادرة على إدارة الجلسات بمرونة وتفاهم مع الجميع، وأن “تطييب الخواطر” ليس ضعفًا بل أسلوب واقعي لحماية المؤسسة التشريعية من الانقسامات التي قد تعيق عملها.

في المقابل، يرفض معارضو هذه الترتيبات ما يسمّونه “التوافق الشكلي” الذي يجري خلف الأبواب المغلقة، ويعتبرون أن ما يحدث يفرغ العملية الانتخابية داخل المجلس من مضمونها. ويقولون إن رئاسة المجلس يجب أن تُنتخب على أساس الكفاءة والقدرة على الرقابة والتشريع، لا على قاعدة إرضاء الأطراف أو موازنة الحساسيات. فالتنازلات المتبادلة قد تُسكت الأصوات الغاضبة مؤقتًا، لكنها لا تُنتج مؤسسة قوية قادرة على مواجهة الحكومة أو مساءلتها في الملفات الكبرى.

ويرى مراقبون أن الجدل الدائر يتجاوز الأسماء المطروحة ليصل إلى جوهر الحياة السياسية الأردنية، وإلى سؤالٍ بات يتكرر في الشارع: هل لا تزال الديمقراطية قائمة على مبدأ التنافس الحر، أم أصبحت أقرب إلى إدارة التوازنات؟ فـ“تطييب الخواطر” الذي بدأ عرفًا اجتماعيًا، تسلّل تدريجيًا إلى مفاصل القرار السياسي، وأصبح يُستخدم كأداة لتخفيف التوتر، لكنه في الوقت نفسه يثير تساؤلات حول حدود الصراحة والشفافية داخل المؤسسات المنتخبة.

المشكلة لا تكمن فقط في من يجلس على كرسي الرئاسة، بل في طبيعة العلاقة بين المجلس والحكومة، وفي دور البرلمان كمراقب على الأداء العام، ومدى استقلاليته في تبنّي ملفات الناس بعيدًا عن الحسابات الشخصية والمناطقية. فحين يغيب النقاش حول البرامج والتشريعات، ويُختزل المشهد في من يكون رئيسًا أو نائبًا للرئيس، تضعف ثقة المواطن بالمؤسسة ويزداد الشعور بالفجوة بين ما يُقال تحت القبة وما يعيشه الناس في الشارع.

ويؤكد متابعون للشأن النيابي أن المطلوب اليوم ليس “تطييب الخواطر” بقدر ما هو “إصلاح الخواطر” بين المجلس والناس. فالمواطن الأردني لم يعد يكتفي بالشعارات أو الترضيات، بل يريد أداءً تشريعيًا يلمس أثره في حياته اليومية، من أسعار السلع إلى فرص العمل، ومن العدالة الاجتماعية إلى مراقبة الإنفاق العام. وفي غياب هذا الأثر، تبقى كل التفاهمات مجرّد مشهد سياسي يتكرر مع كل دورة جديدة.

ويختم أحد البرلمانيين السابقين بالقول إن الديمقراطية لا تُبنى بالصلح ولا بالخصام، بل بالوضوح والجرأة والبرامج. فـ“تطييب الخواطر” قد يجمّل الصورة للحظة، لكنه لا يصنع برلمانًا فاعلًا ما لم تُرافقه إرادة في التغيير وشجاعة في قول ما يجب قوله لا ما يُرضي الجميع.