أخبار اليوم - في زوايا الألم التي لا تهدأ في غزة، يقف عطا محمد الخطيب (20 عامًا) شاهدًا حيًا على قسوة الحرب الإسرائيلية، لا بذاكرته فقط، بل بجسده الذي لم يشفَ بعد.
في أبريل 2024، وبينما كان في طريقه إلى الحلاق في دير البلح بعد رحلة نزوح شاقة من مدينة غزة، باغتته طائرات الاحتلال بصاروخ سقط على مقربة منه دون أن ينفجر، وقبل أن يستوعب ما حدث، سقط آخر ليمزّق صمته وحياته. لحظات معدودة كانت كفيلة بأن تمزّق أحلامه.
"انفجر الصاروخ، شفت أمعائي بعيني، ورجلي طارت، والدنيا سكتت"، هكذا يروي عطا لـ "فلسطين أون لاين" اللحظة التي علقت في جسده إلى الأبد.
أُصيب إصابة مباشرة في بطنه خرجت منها أمعاؤه بالكامل، وبُترت ساقه اليمنى من تحت الركبة، بينما تعرّضت الساق الأخرى لكسر في أعلاها، مع بروز عظمة سببت له كسلًا دائمًا في حركتها. وصف الأطباء حالته بأنها شبه ميؤوس منها، خاصة بعد إصابته ببكتيريا نادرة أدّت إلى تدهور جروحه.
"قالولي حالته صعبة كتير، مش بس البتر.. فيه جرح بالبطن، وبكتيريا، وكسور.. وكل شي ضده"، يقول والده محمد بصوت مخنوق.
خضع عطا لعملية جراحية في بطنه خُيّط فيها بـ40 غرزة، لكن الكارثة لم تتوقف عند ذلك. فقد احتاج إلى مضادات حيوية خاصة، بلغ سعر الإبرة الواحدة منها 100 دولار، ومراهم تُقدَّر بـ500 شيكل، ولم تكن العائلة تملك شيئًا سوى الألم.
وبعد ثمانية أشهر كاملة، لا يزال عطا يعاني من جروح مفتوحة لم تلتئم، ويحتاج إلى مضادات حيوية بانتظام، مع تغيير يومي على جروحه.
"لسه الجرح مفتوح، وبرجع يصير فيه التهاب إذا تأخرت على المضاد، والأدوية مش متوفرة لا في العيادات ولا في الصيدليات"، يقول عطا.
وعلى الرغم من تركيب طرف صناعي لقدمه المبتورة، فإن الألم لم يفارقه؛ فقد تسبب الكسر البارز في الساق الأخرى بتشوه شديد وحركة محدودة، مما جعل الأطباء يؤكدون حاجته إلى عملية تجميل دقيقة وزراعة عظم في مستشفى خارج غزة، لعدم توفر الإمكانيات الطبية اللازمة محليًا.
"العضمة البارزة عاملة لي مشكلة كبيرة، مش بس الحركة ضعيفة، لازم أروح برّة عشان يعالجوني، بس المعابر مغلقة والأمل بعيد"، يقول عطا وهو يحاول إخفاء وجعه بابتسامة باهتة.
غياب الإمكانات الطبية يضاعف من ألمه، ويجعل حلم التعافي الكامل أبعد، في ظل الحصار المستمر والحرب التي تحرم آلاف الجرحى من العلاج.
يحاول عطا بشجاعة أن يتجاوز واقعه المرير، لكن الحلم القديم بالرياضة، وخصوصًا رفع الأثقال، بات بعيد المنال.
"كنت أحب الرياضة، رفع الأثقال كانت حياتي، اليوم صار كل شي مختلف، وما بطلع من البيت إلا بالليل، بحاول أخبي وجعي عن الناس"، يقولها بصوتٍ يختلط فيه الحزن بالإصرار.
ورغم كل ما مرّ به، يظل عطا يقاوم، مؤمنًا بأن لحظة فتح المعبر قد تعيد له ما سلبته الحرب؛ فرصة العلاج والعودة إلى حياةٍ أقرب إلى الطبيعية.
ورغم تدهور وضع عطا الصحي، فإن عائلته ترفض النزوح مجددًا، بعد أن تنقلت بين غزة ودير البلح والنصيرات ثم عادت مجددًا تبحث عن أمانٍ لم تجدْه.
"هربنا من القصف، من الموت، وقلنا يمكن نلاقي الأمان في الجنوب، لكن ما لقينا غير الرعب والمجازر"، يقول والده.
ويضيف: "اليوم، حتى لو قصفوا حوالينا، ما بفكر أهرب، ما في أماكن آمنة، الأمان كذبة كبيرة بيبيعها الاحتلال".
رفض العائلة للنزوح لم يكن عنادًا، بل ثمرة تجربة مؤلمة مع وعودٍ زائفة بممرات إنسانية ومناطق آمنة لم تكن إلا ميادين موت.
فلسطين أون لاين