الكاميرات قبل التوعية… كيف تُدار المخالفات في شوارع عمّان؟

mainThumb
الكاميرات قبل التوعية… كيف تُدار المخالفات في شوارع عمّان؟

27-12-2025 01:07 PM

printIcon

مواطنون يتساءلون: هل تحوّل الشارع الأردني إلى «مزارع كاميرات» تُنتج مخالفات قبل أن تُنتج ثقافة ووعي؟


لماذا تتسع ثقافة الكاميرات في الشارع الأردني قبل ترسيخ التوعية وبناء السلوك العام؟

أخبار اليوم - عاد ملف الكاميرات في العاصمة عمّان إلى الواجهة مجددًا، بعد إعلان أمانة عمّان الكبرى نيتها تركيب نحو 5500 كاميرا رقابية لأغراض مرورية وتنظيمية، إلى جانب كاميرات بيئية لمراقبة مخالفات إلقاء النفايات والاعتداء على البيئة، دون إعلان رقم واضح لعددها حتى الآن. هذا الإعلان فتح نقاشًا واسعًا يتجاوز فكرة التنظيم، ليصل إلى سؤال أعمق حول النهج المعتمد في ضبط السلوك العام.


في تجارب عديدة حول العالم، تُستخدم الكاميرات كأداة مساندة ضمن منظومة متكاملة تبدأ بالتوعية، وتستند إلى ثقافة مجتمعية راسخة تحترم القانون وتفهمه. هناك، تُزرع القناعة أولًا، ثم تُستخدم العدسة لضبط الاستثناء. أما في الحالة الأردنية، فيرى كثيرون أن المسار يبدو معكوسًا، حيث حضرت الكاميرا قبل أن تسبقها حملات توعية حقيقية تشرح وتفسّر وتبني السلوك من الداخل.


الإشكالية التي يطرحها مواطنون ومتابعون لا تتعلق برفض القانون أو الاعتراض على التنظيم، بل بالسؤال عن الأولويات. هل كان من الضروري البدء بالرقابة قبل الاستثمار الجاد في التثقيف؟ وهل المخالفة اليوم نتيجة استهتار متعمّد، أم نتيجة غياب وعي كافٍ بالقانون وأهدافه؟


على أرض الواقع، يشعر كثير من المواطنين أن العلاقة مع الشارع أصبحت قائمة على منطق الرصد والمخالفة. الكاميرا موجودة، الإجراء حاضر، والعقوبة سريعة. في المقابل، تغيب في أحيان كثيرة الرسائل التوعوية المباشرة، ويغيب الشرح البسيط الذي يخاطب الناس بلغتهم اليومية، ويجعلهم شركاء في النظام العام لا مجرد أطراف تحت المراقبة.


قانونيًا، لا خلاف على أن المخالف يجب أن يتحمّل نتيجة مخالفته. لكن إدارة المجتمع لا تقوم على القانون وحده. فالتجارب الاجتماعية تؤكد أن الردع التقني قد يحدّ من المخالفات مؤقتًا، لكنه لا يصنع سلوكًا دائمًا. الكاميرا قد تمنع الخطأ حين تكون العين حاضرة، لكنها لا تضمن الالتزام حين تغيب.


ويشير مختصون في الشأن الاجتماعي إلى أن بناء السلوك يحتاج وقتًا وجهدًا وخطابًا مستمرًا، وأن المجتمعات التي تعتمد فقط على أدوات الرقابة الصارمة، دون بناء وعي موازٍ، تنتج حالة من التوتر الدائم بين المواطن والمؤسسة، بدل أن تبني علاقة ثقة وشراكة.


في الأردن، حيث يتمتع المجتمع بمستوى تعليمي وثقافي مرتفع، يرى كثيرون أن الاعتماد المفرط على الكاميرات يعطي انطباعًا بأن المواطن متهم محتمل، لا طرف واعٍ قادر على الالتزام حين يفهم القاعدة وسببها. ويطرحون تساؤلًا مشروعًا: لماذا لا تسبق كل كاميرا حملة توعوية؟ ولماذا لا يكون الشرح جزءًا أساسيًا من أي إجراء تنظيمي جديد؟


الحديث هنا لا يعني إلغاء الكاميرات، ولا التقليل من دورها في الحد من الحوادث أو ضبط المخالفات، بل إعادة وضعها في مكانها الطبيعي ضمن منظومة متكاملة، تكون فيها التوعية أساسًا، والثقافة العامة خط الدفاع الأول، وتأتي الرقابة كخط أخير لا كخيار أول.


يبقى السؤال المطروح في الشارع الأردني اليوم: هل نريد مدنًا منضبطة لأن الكاميرات تراقب، أم لأن الوعي حاضر؟ وهل يكون تنظيم السلوك قائمًا على القناعة، أم على الخوف من المخالفة؟


سؤال مفتوح، ونقاشه لا يقل أهمية عن عدد الكاميرات نفسها.