ما بعد مناقشة تقرير ديوان المحاسبة: الشارع الأردني يسأل عن الخطوة التالية

mainThumb
ما بعد مناقشة تقرير ديوان المحاسبة: الشارع الأردني يسأل عن الخطوة التالية

27-12-2025 04:57 PM

printIcon

أخبار اليوم - بعد انتهاء مجلس النواب من مناقشة تقرير ديوان المحاسبة في مسودته الأولى، لم يتوقف النقاش عند ما قيل تحت القبة، بل انتقل سريعًا إلى الشارع، حيث انشغل المواطنون بسؤال واحد يتكرر بصيغ مختلفة: ماذا بعد؟ فبالنسبة لكثيرين، لم تعد مناقشة التقارير بحد ذاتها كافية، ما لم تُترجم إلى مسار واضح يشعر الناس أن الرقابة تنتج أثرًا ملموسًا في حياتهم.

في أحاديث المواطنين، برز شعور عام بأن تقارير ديوان المحاسبة باتت معروفة النتائج قبل إعلانها، وأن المخالفات تتكرر، بينما تبقى المتابعة ضبابية. هذا الإحساس جعل التركيز أقل على مضمون التقرير نفسه، وأكثر على ما إذا كانت ملاحظاته ستتحول إلى ملفات محددة، أم ستبقى ضمن الإطار العام الذي يتكرر كل عام دون تغيير جوهري.

زاوية أخرى حضرت بقوة في النقاش الشعبي تتعلق بدور مجلس النواب الرقابي. كثيرون أعادوا التذكير بأن المجلس لا يكتفي بالمناقشة، بل يمتلك أدوات مساءلة وتشريع، ويراه الناس الحلقة الأهم بين التقرير والنتيجة. من هنا، طُرحت تساؤلات حول حدود هذا الدور، وحول ما إذا كانت المناقشة كافية وحدها، أم أن الشارع ينتظر تحركات أكثر وضوحًا بعد الجلسات، تشرح للناس أين وصلت الملفات وما الذي تم إنجازه فعليًا.

وفي سياق متصل، ربط مواطنون بين الحديث عن المخالفات المالية والإدارية وبين واقعهم المعيشي اليومي. بالنسبة لهم، أي نقاش عن المال العام يظل ناقصًا ما لم يُقارن بما يتحمله المواطن من أعباء وضغوط. هذا الربط لم يكن تقنيًا أو قانونيًا، بل إنسانيًا مباشرًا: أين يذهب المال؟ وكيف تنعكس الرقابة على الخدمات، والرواتب، والاستقرار الاقتصادي للأسر؟

كما ظهر في النقاش توجه يدعو إلى تغيير طريقة التعامل مع تقارير ديوان المحاسبة نفسها، بحيث لا تُقدَّم فقط كوثائق رقابية، بل كخطة عمل زمنية. مواطنون تحدثوا عن أهمية الإعلان عن أولويات محددة، وجدول زمني للمعالجة، ومصارحة الناس بما يمكن إنجازه وما يواجه عوائق، لأن الغموض، برأيهم، هو ما يُضعف الثقة أكثر من وجود المخالفات نفسها.

في المقابل، لم تغب أصوات رأت أن مجرد طرح التقرير ومناقشته علنًا خطوة ضرورية، لكنها شددت على أن القيمة الحقيقية تبدأ عندما تتكامل الأدوار بين الجهات الرقابية والقضائية والتنفيذية، بحيث لا يبقى أي ملف معلقًا بلا مسار. هذه النظرة لا تقلل من أهمية النقاش النيابي، لكنها تضعه في سياقه الطبيعي كبداية لا نهاية.

بهذا المعنى، يمكن القول إن مناقشة تقرير ديوان المحاسبة أعادت فتح ملف أوسع من التقرير ذاته: ملف الثقة بين المواطن ومؤسسات الرقابة. الشارع لا ينتظر عناوين كبيرة، ولا لغة قاسية، بل ينتظر تسلسلًا مفهومًا للأحداث، يوضح كيف تنتقل الملاحظات من الورق إلى الفعل، وكيف يمكن للرقابة أن تكون جزءًا حيًا من إدارة الدولة، لا محطة تتكرر ثم تُنسى.