الإعلامي محــمد أمـيـن

mainThumb
الإعلامي محــمد أمـيـن

15-03-2023 11:46 AM

printIcon

الباحث : عامر الصمادي
إعلامي وكاتب أردني

في عملِه الإذاعي والتلفزيوني، قدَّم الإعلامي الأردني "محمد أمين" (1943-1998) ‏عشرات البرامج الوثائقيّة، ومنها برامج وتحقيقات تلفزيونيّة اتّسمَت بالجرأة والمسؤوليّة ‏وحفظتها ذاكرة الجمهور في حينه وهي تؤشِّر على الخلل في الحياة العامّة؛ من أشهرها ‏برنامج (ريبورتاج الأسبوع) الذي يُعتبر، حتى يومنا هذا، واحدًا من أجرأ البرامج ‏التلفزيونيّة التي قُدِّمت من خلال شاشة التلفزيون الأردني. وما هذه إلا لمحة من سيرة ‏الإعلامي الفذّ التي سيجد فيها القارئ المزيد عبر هذا المقال.‏
يُعتبر الإعلامي "محمد أمين سقف الحيط" واحدًا من أبرز الإعلاميين الأردنيين الذين ‏تركوا بصمات واضحة في العمل الإخباري الأردني والعربي من خلال عمله الذي امتدَّ ‏لما يقرب من ثمانية وثلاثين عامًا في وسائل إعلاميّة متعدِّدة. كان عمره سبعة عشر عامًا ‏عندما بدأ مشواره في الإذاعة الأردنية في عمّان عام 1960، ليعمل مذيعًا ورئيس برامج ‏ومنوّعات في كل من إذاعة عمّان، والتلفزيون السعودي، ثم إذاعة صوت أميركا التي ‏كانت تبثّ من جزيرة رودس اليونانية(1) حتى عام 1974، لينتقل بعدها إلى "التلفزيون ‏الأردني" محرّرًا ومذيعًا ومديرًا للأخبار والبرامج، قبل أن يصبح في عام 1990 مديرًا ‏للتلفزيون.‏
وُلد "محمد أمين" -وهو الاسم الذي عُرف به طوال عمله الإعلامي- في نابلس عام ‏‏1943 ودرس في مدراسها. حصل أثناء عمله بالوظيفة الرسميّة على بكالوريوس في ‏التاريخ من جامعة بيروت العربيّة، وقد عمل في بداية انطلاقة إذاعة عمّان "إذاعة المملكة ‏الأردنية الهاشمية فيما بعد" مع عدد من الرموز والكفاءات الإعلاميّة المعروفة التي تركت ‏بصمات واضحة على مسيرة الإعلام الرسمي الأردني(2).‏
في عمله الإذاعي والتلفزيوني، قدَّم محمد أمين عشرات البرامج الوثائقيّة، ومنها بعض ‏البرامج والتحقيقات التلفزيونية التي اتّسمت بالجرأة والمسؤوليّة وحفظتها ذاكرة الجمهور ‏في حينه وهي تؤشِّر على الخلل في الحياة العامّة؛ من أشهرها برنامج (ريبورتاج ‏الأسبوع)، الذي يُعتبر، حتى يومنا هذا، واحدًا من أجرأ البرامج التلفزيونية التي قُدِّمت من ‏خلال شاشة التلفزيون الأردني، والذي قدَّمه محمد أمين في ثمانينات القرن الماضي، ‏وتناول فيه قضايا كانت تُعتبر حسّاسة وانتقد من خلالها عمل الوزارات ومؤسسات ‏الدولة، وكان يؤشِّر على مواطن الخلل دون تخوُّف من أحد، وكل ذلك في زمن الأحكام ‏العرفيّة؛ الزمن الذي لم يكن فيه أيّ إعلامي يجرؤ على توجيه انتقاد لأيّ مسؤول مهما ‏صغرت مرتبته. ‏
كما عمل محمد أمين قارئًا للأخبار والتعليقات السياسية، وقاد عمله في الإعلام المرئي ‏والمسموع لنسج علاقة لم تنقطع مع الصحافة المقروءة التي نَشَرَت له سلسلة من المقالات ‏في صحف ومطبوعات أردنيّة وعربيّة. كما كتب العديد من الأغاني والأشعار الوطنيّة ‏والأوبريتات الوطنيّة ليكتمل ثالوث إختصاصه الإعلامي.‏
تنقَّل محمد أمين في عدد من المناصب، فعُيِّن مستشارًا لوزير الإعلام، ثم مديرًا ‏للمطبوعات والنشر لمدة خمس سنوات، ليعيَّن بعدها أمينًا عامًا لوزارة الإعلام، حيث ‏توفي وهو على رأس عمله عام 1998(3).‏
تميَّزت سيرة محمد أمين العمليّة بمهنيّة عالية في المجال الصحفي الإخباري، حيث كان ‏يصرّ على تطبيق مبادئ وأخلاقيّات العمل الصحفي في عمله، وفي عمل مرؤوسيه فيما ‏بعد عندما أصبح مديرًا للأخبار ومديرًا للتلفزيون، وكان لا يتوانى عن رفض الكثير من ‏الأخبار في بعض الأحيان، أو شطب معظمها أحيانًا أخرى لأسباب مهنيّة بحتة، وهو ما ‏كان يثير حفيظة العاملين معه، إلا أنهم كانوا يُدركون السبب فيما بعد. ‏
يقول الإعلامي "ألفرد عصفور" وهو ممّن عملوا بمعيّة محمد أمين كمحرر، ثم أصبح ‏فيما بعد رئيس تحرير ومديرًا للأخبار، إنه كان يصرّ على اختبار أيّ شخص يريد العمل ‏في المجال الإخباري بنفسه، وكان يضع عددًا من الأسئلة باللغتين العربية والإنجليزية، ثم ‏يطلب ترجمة بين اللغتين كي يضمن أنَّ أيّ محرِّر سيعمل معه سيكون قادرًا على فهم ‏الأخبار بلغتها الواردة بها، وإتقان نقلها وتحريرها بالعربيّة(4).‏
كما كان محمد أمين يصرّ على اعتماد مصدرين لأيّ خبر قبل بثّه إذا لم يكن واردًا من مصدر ‏رسمي، بالإضافة إلى تحرّي الدقّة وأهميّة الخبر بالنسبة للمُشاهد. وكان يستدعي المحرِّر إلى مكتبه ‏ويسأل عن مصادر الخبر وفي أيّ الوكالات ورد، ثم يسأل: لماذا تريد أن تبدأ الخبر بهذه الجملة أو ‏تلك؟ كما يقول عبدالحليم عربيات مدير الأخبار الأسبق في التلفزيون الأردني، وأحد تلاميذ أمين في ‏العمل الإعلامي(5).‏
ومن مبادئه بالعمل الإعلامي أنه كان لا يسمح للعاطفة أن تتغلَّب على حسّ الصحفي أو المحرِّر، ‏فتنعكس على خبره، حيث كان يؤمن أنَّ الصحفي يجب أن يكون حياديًّا إلى أبعد حدّ في تعامله مع ‏الأحداث التي يغطّيها، ويروي ألفرد عصفور أنه وأثناء الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1982 ‏كان يحرِّر أخبارًا حول ذلك العدوان يعكس بها بعض العواطف الجيّاشة في دعم المقاومين ونعت ‏الغزاة بأبشع الألقاب والأوصاف تماشيًا مع حالة الغليان في الشارع وشعوره الوطنيّ، لكنَّ أخباره ‏كانت تعود من مكتب محمد أمين وقد حُذف الكثير منها أو حُرِّرت بطريقة مختلفة، فضاق ألفرد ‏بذلك ذرعًا، وأصبح ينتقد ذلك معتبرًا إيّاه تكميمًا للأفواه وتدخُّلًا بعمله الصحفيّ، ووصل الأمر إلى ‏محمد أمين الذي صادفه بقاعة الأخبار، ووضع يده على كتفه بطريقة أوحت بأنه سيوجِّه إليه عقوبةً ‏أو تأنيبًا، لكنه قال له بكل هدوء: لا تعتقد للحظة واحدة أنكَ أكثر وطنيّة من زملائكَ أو منّا، لكن ‏هناك مبادئ في العمل الإعلامي لا بدّ أن نتّبعها، وغدًا عندما تصبح مسؤولًا ستعرف حقيقة ما أفعله ‏الآن(6).‏
تميَّزت طبيعة شخصية محمد أمين بالهدوء، خاصة وقت الأزمات أو المواقف الحرجة، وبحكم ‏عمله الإعلامي الطويل، وعلى الهواء، كان يدرك أنَّ الانفعال لحظة المشكلة لن يحلّها، بل سيزيدها ‏تعقيدًا وقد يؤدّي إلى كوارث تظهر للمُشاهد على الشاشة، وهو ما يُعتبر من المحرَّمات لدى ‏المحطات المحترمة. وتروي المترجمة رغدة عزيزية قصة حدثت معها يومًا عندما كان أمين مديرًا ‏للتلفزيون، حيث كلّفها بتنفيذ ترجمة لكلمة الملك الراحل الحسين بن طلال التي سَمّاها "رسالة سلام ‏إلى الشعب الأميركي" في أعقاب الغزو الأميركي للعراق عام 1990 وذلك بالتنسيق مع محطة ‏CNN ‎‏ الأميركية، وبسبب تأخُّر عمليّة الترجمة، فقد تقرَّر أنْ يتمّ تنفيذ الترجمة على الهواء ‏مباشرة، حيث سيحضرها الملك الراحل أثناء البثّ، وحدث أنَّ المترجمة اغفلت جملة من الجُمَل، فلم ‏تعُد قادرة على تنسيق ظهور الترجمة مع النص باللغة الإنجليزية، فارتبكت وكاد يغمى عليها لعظم ‏الموقف، وخلال ثوانٍ كان محمد أمين يقف إلى جانبها مهدّئًا لها ودافعًا لها لعدم الارتباك، ومواصلة ‏العمل كأنَّ شيئًا لم يكن، حتى تمكّنت من استعادة الموقف وتنسيق ظهور الترجمة مع الكلام ‏الأصلي، ثم أعيد التسجيل مرَّة أخرى بعد انتهاء البث المباشر ليُعاد بثّ الكلمة مرَّة أخرى، وبعد ‏هدوء العاصفة طلب تقريرًا مفصّلًا لمعرفة السبب ومحاسبة المقصّرين.‏
حصل محمد أمين خلال حياته على عدة أوسمة رفيعة منها وسام الاستقلال الأردني من الدرجة ‏الثانية، وفاز برنامج كتبه عن الإعلام في حرب الخليج الأولى بجائزة هيروشيما اليابانية.‏
كان محمد أمين يؤمن أنَّ التحضير الجيِّد هو سبب التفوُّق في كل شيء؛ حيث كان يوصي كل الذين ‏سيشاركون بمؤتمرات دولية أو أحداث عالمية أن يكونوا مستعدّين دائمًا للإجابة عن أي أسئلة تتعلق ‏بالأردن أو مواقفه السياسية، وذلك من خلال توقُّع عدد من الأسئلة ووضْع الإجابات الشافية لها قبل ‏السَّفر أو المشاركة، بحيث يكون الشخص واثقًا من نفسه وقدراته على مواجهة أيّ موقف.‏




• المراجع والهوامش
‏1.‏ الزواوي، محمود، خمسون عامًا من الإعلام، سيرة ذاتية غير منشورة. ‏
‏2.‏ كما يقول ابنه عادل محمد أمين في مقابلة خاصة أجريتها معه، عمّان، 20-11-2018.‏
‏3.‏ أمين، عادل محمد، مقابلة خاصة.‏
‏4.‏ عصفور، ألفرد، ذكريات إعلامية، نصوص غير منشورة. ‏
‏5.‏ عربيات، عبدالحليم، اتصال هاتفي، عمان، 25-11-2018. ‏
‏6.‏ عصفور، ألفرد، مرجع سابق.‏

الإعلامي عامر الصمادي:‏
عامرعثمان الصمادي
إعلامي يعمل في التلفزيون الأردني منذ عام 1990 ‏
‏- ماجستير في الإعلام الحديث /معهد الإعلام الأردني/الجامعة الأردنية ‏
‏ ماجستير في الدبلوماسية / المعهد الدبلوماسي الأردني /الجامعة الأردنية الدبلوم العالي في الترجمة
‎ ‎والبكالوريوس في الادب الانجليزي‎. ‎
‏- الدرجة الوظيفية: الدرجة الخاصة‎.‎
‏- عمل ولا يزال مذيعا رئيسيا ومحررا اول للاخبار ومعدا ومقدما للبرامج.(إذاعة وتلفزيون).‏
حائز على جائزة الموظف المثالي في المؤسسة‎.‎
‏ مدير التطوير والتدريب في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون سابقا.‏‎ ‎
‏ احد مؤسسي راديو وتلفزيون العرب / ايطاليا ومديرا لاحدى قنواتها‎. ‎
مراسل صوت اميركا (راديو سوا) لمدة عشر سنوات. ‏
احد مؤسسي وكبير المذيعين بقناة الفلوجة التلفزيونية.‏
قدم ما يزيد على ثلاثة الاف ساعة تلفزيونية واذاعية ‏
مؤسس جمعية المترجمين الأردنيين
له ثمانية كتب ومئات القصص والمقالات المترجمة المنشورة ‏
مدرب دولي في مجال الإعلام والاتصال والعلاقات العامة وتدريب الناطقين الرسميين.‏
عضو اتحاد المدربين العرب برتبة مستشار ورئيس المجلس النوعي للتدريب الإعلامي.‏.