موسى الساكت… حين يتقاطع صوت الصناعة مع ضمير الدولة

mainThumb
موسى الساكت… حين يتقاطع صوت الصناعة مع ضمير الدولة

13-06-2025 06:10 PM

printIcon


أخبار اليوم - في الأردن، هناك من يعمل بصمت، لكن صوته يُسمع. وهناك من لا يسعى للواجهة، لكنه حاضر في كل مشهد وقرار. المهندس موسى عوني الساكت هو من هذا النمط؛ شخصية لا تصرخ، لكنها تُقنع. لا تستعرض، لكنها تُؤثّر. لا تتكلم كثيرًا، لكنها تعمل كثيرًا… وتُنجز.

ينتمي الساكت إلى عائلة أردنية ضاربة في الجذور، عُرفت بصلابتها في المبدأ، ونظافتها في السيرة. هو حفيد القاضي الدستوري الراحل موسى الساكت، أحد رجال القانون الأوائل الذين أسّسوا مفهوم الدولة الدستورية الحديثة في الأردن. ومن هذه التربة الصلبة، خرج الحفيد حاملًا اسم الجد، وإرثه، ومكانته الأخلاقية والوطنية.

لكن موسى الساكت لم يتكئ على الاسم، بل بنى لنفسه مسارًا مستقلًا، جامعًا بين العلم والعمل، والمهنة والموقف، والفكر والمبادرة. حاصل على درجة الماجستير في الريادة والابتكار، ويُعتبر من أوائل من طبّقوا هذه المفاهيم في الاقتصاد الأردني، ليس عبر المشاريع النظرية، بل من خلال بيئة العمل والصناعة والسوق.

في القطاع الصناعي، حضر الساكت كواحد من أبرز الصناعيين الشباب، وشغل عضوية غرفة صناعة عمان لعدّة دورات، وكانت له فيها مواقف واضحة ورؤى جريئة. لم يكن فقط مندوبًا لقطاع، بل حاملًا لهمّ وطني يرى في الصناعة سيادة، وفي الإنتاج قوة، وفي الاعتماد على الذات مسألة أمن لا رفاهية. ويُحسب له أنه كان من الأصوات التي دافعت عن المنتج الأردني خارج منطق الشكوى، بل عبر مبادرات بنّاءة، كان أبرزها تأسيس مبادرة "صُنع في الأردن"، التي أعادت للمنتج المحلي اعتباره في الوعي العام، وفي الأسواق الإقليمية.

لكن ما يجعل موسى الساكت مختلفًا، ليس فقط ما أنجزه، بل الطريقة التي يُنجز بها. يتمتع بشخصية هادئة، لكن فيها وعيٌ حادٌ بالأولويات. قيادي في سلوكه، دون أن يتحدث عن القيادة. مبادر بطبعه، دون أن يُعلن ذلك. يعرف متى يتقدّم، ومتى يدير الأمور من الخلف. صفات جعلته محل احترام داخل المؤسسات التي عمل بها، سواء كانت رسمية أو أهلية أو خاصة.

في عالم الإعلام، كان له دورٌ لافت بتأسيس إذاعة حياة، واحدة من أنضج التجارب الإذاعية الأردنية، التي حافظت على خطاب هادف، بعيد عن الإثارة، وقريب من الناس. وكان من الواضح أن مشروع الإذاعة بالنسبة له لم يكن مجرد وسيلة تواصل، بل منصة لصناعة وعي جديد، يقدّر الحرية بقدر ما يحترم المسؤولية.

أما في العمل الإنساني، فاسمه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمؤسسة "صندوق حياة للتعليم"، التي تُعنى بتقديم المنح الدراسية للطلبة غير المقتدرين، والتي فتحت آلاف الأبواب أمام شباب لم يكن لهم حظ في التعليم. وقد كانت فلسفته في هذا الصندوق بسيطة وعميقة: "ابنِ الإنسان، تُنجِز الدولة".

وعلى المستوى الثقافي والتنموي المحلي، يشغل الساكت منصب نائب رئيس مجلس إدارة مركز موسى الساكت الثقافي، أحد أهم المحافل الثقافية والتدريبية في مدينة السلط ومحافظة البلقاء، حيث يساهم عبر هذا المركز في دعم الثقافة الوطنية وتمكين الشباب، وتنظيم نشاطات تنموية تعيد للثقافة دورها كركيزة في بناء المجتمعات.

شارك في مؤتمرات اقتصادية محلية ودولية، وهو محاضر غير متفرغ في عدد من الجامعات الأردنية، ينقل خبرته للطلبة بروح عملية، تجمع بين العلم المجرّب والخبرة الميدانية، وتُشجّع على الريادة لا كترف، بل كطريق إجباري للنهضة.

ويُجمع المقرّبون منه والفاعلون في الحقل العام، أن موسى الساكت يحظى بحضور وازن على المستويين الرسمي والشعبي. يثق به المسؤول، ويحترمه القطاع، ويقدّره المواطن. لم يكن صداميًا، لكنه لم يكن يومًا رماديًا. صوته موزون، لكنه واضح. متوازن، لكنه حاد متى وجب.

هو نموذج للصناعي الذي يقرأ السياسة، وللإعلامي الذي يفهم الاقتصاد، وللمثقف الذي لا ينعزل، وللمواطن الذي لا يخذل. جمع ما بين الصمت حين يجب، والصوت حين يلزم.
رجل يُمثّل جيلًا جديدًا من الأردنيين…
يمشي بخطى ثابتة في طريق وطني طويل،
يعرف أن التأثير الحقيقي لا يكون في العنوان، بل في التفاصيل التي تصنع الفارق.