وعود ترامب الخليجية: صفقات تجارية مقابل نفوذ إقليمي

mainThumb
وعود ترامب الخليجية: صفقات تجارية مقابل نفوذ إقليمي

11-05-2025 02:43 PM

printIcon

أخبار اليوم - قال مراسل صحيفة “الغارديان” في واشنطن أندرو روث إن الرئيس الأمريكي يبدأ، يوم الثلاثاء، بجولة في الشرق الأوسط للقاء حلفائه الخليجيين. ويتطلع الرئيس لمناقشة التجارة والاستثمار، ولا يخطط لزيارة إسرائيل، وسط التوتر في غزة.


وهذه أول زيارة خارجية للرئيس ترامب في ولايته الثانية، حيث سيجول في دول الخليج، ويزور السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة.
ويقول روث إن الجولة عبر الشرق الأوسط هي، إلى حد كبير، تكرار لرحلته الخارجية الأولى في عام 2017، عندما تم الاحتفاء به في المنطقة باعتباره زعيماً تعاقدياً حريصاً على تأمين مكاسب سريعة وقادراً على تقديم الدعم للمصالح الاقتصادية والجيوسياسية لدول الخليج.




وأضاف روث أن أجندة ترامب ستركز على النفط والتجارة وصفقات الاستثمار والصراعات الإقليمية في إسرائيل وغزة واليمن والمفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني وغيرها من القضايا. لكن الهدف الرئيسي لترامب هو الخروج من المنطقة، قائلاً إنه يضع أمريكا في المقام الأول، كما يقول المراقبون.


ونقلت الصحيفة عن ستيفن كوك، الزميل في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، قوله: “أعتقد أن ما يسعى بوضوح إلى الحصول عليه من هذا هو الصفقات والإعلان عن صفقات متعددة بمليارات الدولارات”، مضيفاً أن “نهج الرئيس في السياسة الخارجية يتأثر بشكل كبير بنسخته من الحكم الاقتصادي، والتي تقوم على النظر إلى الدول الغنية في الخليج وصناديق الثروة السيادية الضخمة التابعة لها كمصدر للاستثمار في الولايات المتحدة”.


وقد أعلن ترامب عن استعداد السعودية لاستثمار تريليون دولار في الاقتصاد الأمريكي، ويأمل بالحصول على بطاقة استثمارات في زيارته التي ستبدأ الإثنين، وهو ما يتناسق مع إستراتيجية ترامب “أمريكا أولاً”، كما يقول كوك.
وترغب هذه الدول أيضاً بالوصول إلى صادرات أشباه الموصلات الأمريكية المتقدمة، فيما تتطلع السعودية إلى إبرام صفقة بشأن البنية التحتية النووية المدنية، والتي كانت مرتبطة في السابق بتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وفي انحراف عن السياسة السابقة، أشارت إدارة ترامب إلى أن القضيتين لم تعودا مرتبطتين.


وتعلق الصحيفة بأن رحلة الشرق الأوسط ملحوظة بسبب عدم وجود خطط لدى الرئيس الأمريكي لزيارة إسرائيل، حيث طرح بنيامين نتنياهو وحكومته خططاً لشن غزو أوسع على غزة، وطرد السكان الفلسطينيين من هناك، في ما وصفه المنتقدون بخطة واسعة النطاق للتطهير العرقي.
وتقول إن رحلة الرئيس تخيم عليها الحرب الإسرائيلية في غزة، حيث قالت السعودية إنها لن تطبع العلاقات مع إسرائيل من دون أن يكون هناك مسار واضح نحو حل الدولتين، فيما شجبت عدة دول في المنطقة خطة ترامب التي تحدث فيها عن طرد الفلسطينيين من غزة وبناء منتجعات سياحية، بعد تنظيف القطاع من الأنقاض.


ونقلت الصحيفة عن إليوت أبرامز، نائب مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، قوله: “كان بإمكانه زيارة إسرائيل، كما فعل في المرة الأولى”، مشيراً إلى أن وزير الدفاع بيت هيغسيث، ألغى زيارة كانت مقررة في نفس الوقت لإسرائيل: “أعتقد أن هناك بعض التوتر هنا.. وتعرف [إسرائيل] أن ترامب سيقضي الأسبوع في الخليج وهو يستمع في كل يوم عن غزة، وغزة، وغزة. وعليه فهذه ليست لحظة جيدة في العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية، أو علاقة ترامب مع إسرائيل”.


وهناك فهم متزايد في واشنطن وإسرائيل بأن ترامب تراجع عن محاولة التوسط في الحرب في غزة. وقالت إدارته إنها سوف تتفاوض على اتفاق مساعدات جديد دون التدخل المباشر من جانب الحكومة الإسرائيلية لتجديد تسليم المساعدات إلى غزة التي تعاني من أسوأ أزمة إنسانية منذ الحرب، منذ انهيار وقف إطلاق النار في آذار/مارس.
وقال عامي أيالون، المدير السابق لجهاز الأمن الإسرائيلي (الشين بيت)، إن ترامب “هو الوحيد الذي يتحدث نفس لغة نتنياهو، وهو الوحيد الذي يستطيع التحدث إلى نتنياهو بلغة يفهمها نتنياهو”.


وأضاف أن “ترامب، مرة أخرى، عندما يتعلق الأمر بالأسرى، وعندما يتعلق الأمر بعلاقاتنا مع الفلسطينيين، أصبح مركز كل شيء في الشرق الأوسط”، وهو “ما يوجّه اهتمام ترامب إلى الأشياء التي يمكنه إنجازها”.
وقال ترامب إنه ليست لديه خطة لتغيير اسم المنطقة في الخليج إلى الخليج العربي بدلاً من الخليج الفارسي. وقد أغضب حديثه إيران، في وقت تبدو فيه دول الخليج تدعم المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران بشأن الملف النووي الإيراني، مع أنها لا تعرف طبيعة الصفقة أو تفاصيلها.


وقال جون ألترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية: “لقد أخبرني شركاء الولايات المتحدة أن هناك تصريحات أمريكية بشأن كل هذه القضايا، ولكنهم لم يروا بعد السياسات الأمريكية”، مضيفاً: “إن حكومة الولايات المتحدة لا تتحدث بصوت واحد، وتظل تصرفاتها غير منسقة”.
وفي السعودية، عيّنَ ترامب صهره جاريد كوشنر ليكون مسؤولاً عن المناقشات التي تسبق الرحلة، بحسب ما ذكرت شبكة “سي أن أن”. ويُقال إن كوشنر، الذي كان مبعوث ترامب إلى المنطقة، خلال إدارته الأولى، مكلف بإحراز تقدم في المناقشات بشأن ضم السعودية إلى اتفاقيات أبراهام. لكن دوره يظل محل شك أيضاً لما يُنظر إليه على أنه تضارب في المصالح، وبسبب المصالح التجارية لعائلته في المنطقة.


وبهذا المشهد المعقد من المصالح الاقتصادية والجيوسياسية في المنطقة، هناك تساؤلات حول ما إذا كانت إدارة ترامب تتمتع بالتركيز، ولديها اللازم لمتابعة سياسة شاملة في المنطقة.
ويقول كثيرون في فلك ترامب إن السياسة الأمريكية ينبغي أن تعطي أولوية أقل للشرق الأوسط، وأن تركز بدلاً من ذلك على الصين ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ.


وقال كوك: “أعتقد أن هناك شعوراً بأن هذه القطع التي يتفاوض عليها الرئيس لا تتفاعل مع بعضها البعض، وأن أولويته الحقيقية هي التركيز على الوضع المحلي، وتأمين الاتفاقيات للاستثمار في العقارات”، و”على المستوى الإقليمي، يرغب الرئيس في التخلص من هذه القضايا، ولهذا السبب لديه هذه الجداول الزمنية المضغوطة التي لا يريد التركيز عليها”.
وفي هذا السياق، نشرت صحيفة “الغارديان” مقالاً للمعلق سايمون تيسدال قال فيه إن ترامب يعتقد أنه يقوم بإعادة تشكيل الشرق الأوسط، ولكن دول الخليج هي التي تقوم بإملاء السياسة الأمريكية عليه.



وقال إن ترامب اعتاد على الحصول على ما يريد وتحقيق أهدافه الخاصة. ولكن من الممكن أن يتغير هذا عندما يصل إلى المنطقة، حيث سيواجه الفوضى التي تسبب بها في الشرق الأوسط.

يريد الزعماء العرب من ترامب الحد من العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان وسوريا، التي هاجمتها الطائرات الإسرائيلية مراراً وتكراراً بعد سقوط المخلوع الأسد

ومع بدء زيارته والوعود التي يتحدث عنها، و”كما هو الحال دائماً، فهو واهم، الحقيقة هي أن السياسات الإقليمية الأمريكية المتهورة وغير المتماسكة والمهملة تفشل في جميع المجالات. كما أن التصحيح الجذري للمسار مطلوب بشكل عاجل”.
وقال تيسدال إن زعماء الخليج لديهم القدرة على تصحيح مسار ترامب إذا قرروا استخدام قوتهم. ذلك أن الرئيس يعتمد عليهم بدرجة غير مسبوقة، وأكثر بكثير من اعتماده على أوروبا، باعتبارهم محاورين دبلوماسيين وشركاء أمنيين وداعمين ماليين.
ويضيف أن تعامله مع فلسطين، التي تقف على شفا نكبة ثانية، هو مزيج من التعصب والقسوة والجهل المحض. وبدون المساعدة العربية، قد تظل الولايات المتحدة وإسرائيل عالقتين إلى أجل غير مسمى في طريق مسدود من السياسات التدميرية.


وأضاف تيسدال: “يعلم ترامب أنه لا يستطيع أن يتجاهل آراء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ونظرائه الخليجيين بشأن غزة وسوريا واليمن، وهم يعارضون الحرب مع إيران، كما هددت الولايات المتحدة وإسرائيل سابقاً. ويحتاج ترامب إليهم كحلفاء في نزاعه التجاري والجمركي مع الصين”.


واستضاف دبلوماسيون من الخليج محادثات السلام بين أوكرانيا وروسيا، والتي روج لها شخصياً. كما يسعى جاهداً للحفاظ على أسعار النفط منخفضة، ويرغب بصفقات استثمارية بمليارات الدولارات في الشرق الأوسط وصفقات بيع أسلحة.
ومن هنا، فقد أصبح للدعم الخليجي ثمن يجب دفعه. ففي مجال توسيع ما يسمى باتفاقيات أبراهام من خلال تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، كما يأمل ترامب، فبغض النظر عما يقوله الرئيس الأمريكي، فقد تعهدت السعودية بأن هذا لا يمكن أن يحدث دون ضمان التقدم نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهو ما تعارضه الحكومة الإسرائيلية. ووصف ابن سلمان مقتل أكثر من 52,000 فلسطيني في غزة، بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، بأنه “إبادة جماعية”.


في الرياض، سيواجه ترامب ضغوطاً شديدة لإنهاء الحصار الإسرائيلي، وإعادة العمل بوقف إطلاق النار.
ويعلق الكاتب بأن العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية باتت متوترة بشكل متزايد، فقد رفض ترامب إضافة إسرائيل لجدول أعماله، في وقت أعلن فيه نتنياهو وتحالفه المتطرف عن عملية عسكرية جديدة، بدون الاهتمام بمصير الأسرى في غزة. ورغم دعم ترامب، قبل شهرين، لخطة تهجير الفلسطينيين، إلا أنه اكتشف أن السلام لا يحدث بهذه الطريقة.


وقد فوجئ نتنياهو، الذي طالما دفع باتجاه ضرب البرنامج النووي، عندما أعلن ترامب عن المفاوضات مع طهران. وبنفس الطريقة دُهش عندما أعلن الرئيس الأمريكي عن وقف الغارات على اليمن، حيث يواصل الحوثيون توجيه صواريخهم ضد إسرائيل. وجاء التغير في السياسة بالملفين وتغير نبرته من غزة، نتيجة الضغوط الخليجية.

ويريد الزعماء العرب، وبدعم من تركيا، من ترامب أيضاً الحد من العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان وسوريا، التي هاجمتها الطائرات الإسرائيلية مراراً وتكراراً بعد سقوط دكتاتورية بشار الأسد في أيدي المتمردين الإسلاميين، في كانون الأول/ديسمبر.

وتؤيد الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي التعامل مع الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع وحكومته الائتلافية. ويقول الشرع إنه لا يريد قتال إسرائيل، ومهمته الرئيسية هي توحيد البلاد، وقد استقبلته السعودية والإمارات وقطر التي عرضت بسخاء للمساهمة في الإعمار، إلا أن ترامب، وعلى خلاف بريطانيا والاتحاد الأوروبي، رفض تخفيف العقوبات. وهو قرار خاطئ سيشلّ الحكومة السورية ويحرمها من بداية جديدة، وقد يفتح الباب أمام عودة إيران وروسيا من جديد. وأن تكون سوريا ديمقراطية فهي جائزة للغرب، وفي الوقت الحالي تبدو وكأنها فرصة ضائعة.


وإذا كان ترامب يريد التأكد من دعم الخليج لأجندته الأوسع، فيتعيّن عليه أن يقدم شيئاً مهماً في المقابل. مثل إحياء الاتفاق النووي الذي أبرمته الولايات المتحدة وأوروبا مع إيران في عام 2015 (والذي تراجع عنه بحماقة في عام 2018)، مع ضمان عدم بدء نتنياهو والمتشددين في طهران حرباً أخرى. ومن المحتمل جداً أن يتخذ ترامب هذه الخطوة، فهو يزعم أنه “رئيس السلام”، وهذه فرصة لإثبات ذلك.

رفض ترامب تخفيف العقوبات قرار خاطئ سيشلّ الحكومة السورية ويحرمها من بداية جديدة، وقد يفتح الباب أمام عودة إيران وروسيا من جديد.

ويقول الكاتب إن النهج الأمريكي الأكثر استنارة تجاه غزة وسوريا من شأنه أن يخدم أهداف ترامب الأخرى: خفض أسعار الطاقة وتعزيز الاستثمار الخليجي في الشركات والوظائف الأمريكية.

وتعتبر المواقف السعودية محورية لكلا الأمرين. إن خفض أسعار البنزين بشكل مستمر قد يهدئ الناخبين الذين صوتوا لترامب، ويساهم في ترويض التضخم في الولايات المتحدة.
في كانون الثاني/يناير، طرح ولي العهد السعودي صفقة استثمارية أمريكية بقيمة 600 مليار دولار (450 مليار جنيه إسترليني) لمدة أربع سنوات، وربما يتبع المزيد.
ويقول تيسدال إن تزايد قوة ونفوذ دول الخليج هو حقيقة لا مفرّ منها في الواقع الجيوسياسي والاقتصادي في القرن الحادي والعشرين.