أوجاع بلا دواء .. "أبو حطب" شهيد المرض والحصار في غزة

mainThumb
أوجاع بلا دواء.. "أبو حطب" شهيد المرض والحصار في غزة

14-05-2025 10:11 AM

printIcon

أخبار اليوم - في أحد أزقة مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، يجلس الشاب منذر أبو حطب، برفقة إخوته الثلاثة أمام باب منزلهم، يستقبلون المعزين في استشهاد والدهم "منير" الذي فارق الحياة ليس بفعل القصف، بل بسبب المرض وغياب العلاج تحت حصار خانق.

لا يزال "منذر" وهو في العشرينيات من عمره، يحاول أن يصدق أن والده قد غادر الحياة بالفعل. ويتحدث بصوت مكسور، وكأن الأب ما زال بينهم حيًا، يخطو خطواته المعتادة في أرجاء البيت، قائلًا: "لم أستوعب بعد أنه رحل.. كأننا فقط ننتظره يعود من المستشفى".

كان "منير" البالغ من العمر 47 عامًا، ضحية غير مباشرة للحرب، فقد أصيب بشظية في ساقه رجله اليمنى في ديسمبر 2023، أثناء خروجه مع أبنائه لجلب بعض الحاجيات من حيّ أبو اسكندر بمدينة غزة، بحسب نجل الشهيد.

تفشى المرض

يقول "منذر" لصحيفة "فلسطين": حين عدنا إلى مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، لاحظ والدي، وجود بقعة دم على ساقه، وبالكشف تبين وجود جرح لم يشعر به بسبب الخدر الذي أصابه فجأة.

ويضيف نُقل والدى إلى العيادة العسكرية القريبة حيث تلقى فحوصات بسيطة، ثم عاد إلى المنزل لعدم قدرته على الوصول إلى مجمع الشفاء الطبي، الذي كان قد تحول آنذاك إلى منطقة عسكرية بعد اقتحام قوات الاحتلال له، وارتكابها انتهاكات مروعة بحق الطواقم الطبية والمرضى والنازحين.

ومع مرور الأيام، والقول لأبو حطب، بدأ الجرح يتفاقم، والالتهابات تنتشر في جسده، مستفحلة دون علاج أو مضادات حيوية فعالة، وفي ظل انهيار المنظومة الصحية، أجريت له أربع عمليات جراحية، حاول الأطباء فيها استئصال الالتهابات المتكررة.

ويتابع: كانت كل مرة تترك خلفها ندوبًا أعمق وآلامًا أشد، إلى أن أصبح جزء من أمعائه مستأصلاً، وبطنه مفتوحًا لا يلتئم.

يتابع منذر: "الأطباء كانوا عاجزين عن فعل المزيد، العدوى انتشرت بجسده، والفيروس الذي دخل عبر الجرح تسبب في تسمم داخلي، ولم يكن هناك ما يساعد على علاجه".

ويشير إلى أنه ومع ازدحام المستشفيات بالمصابين جراء المجازر اليومية، لم يجد والده سريرًا، فكانت التبديلات على جراحه تتم في البيت، بمعونة ممرضين متطوعين يعرفهم الأبناء، وكان الألم لا يُحتمل، وكان وزنه يتناقص حتى خسر نصف جسده، ولم يعد يقوى على تناول الطعام الذي بالكاد كان يتوفر.

وداع أخير

ويواصل أبو حطب حديثه، بحرقة: في أحد الأيام اضطر والدي إلى الصيام رغم مرضه، فقط ليجري صورة "CT" كانت ضرورية لتقييم حالته.

ويضيف الشاب العشريني، بعد أن توقف للحظات في محاولة منه لمنع دموعه من التساقط: "لكنه بعد ذلك انهار تمامًا، لينقل إلى مستشفى الشفاء في 7 مايو، حيث أدخل قسم الطوارئ، وهو جزء صغير أعيد ترميمه بشكل بدائي بعد تدميره سابقاً.

لكن لم تمضِ سوى لحظات حتى امتلأ القسم بالمصابين والشهداء الذين وصلوا إثر مجزرتين ارتكبتهما قوات الاحتلال باستهداف مواطنين في مطعم التايلندي وسوق شعبي مكتظ، أسفرتا عن استشهاد 33 مواطنًا وإصابة 86 آخرين.

وسط هذا المشهد الدموي، همس "منير" لولده: "خذوني إلى البيت.. لا أريد أن أموت بالمستشفى".

هرع "منذر" ليبحث عن سيارة تنقل والده، لكنه تلقى اتصالاً من شقيقه "أمير"، ذو الثمانية عشر عامًا، يبكي ويخبره: "أبي رحل.. مات وهو يردد الشهادتين".

ويقول أمير، ودموعه لا تتوقف: "في أيامه الأخيرة كان أبي يوصينا ببعضنا، كان هادئًا كأنه يعرف أن النهاية اقتربت.. أوصاني أن أسلّم على الجميع، وأن نترحم عليه ولا نحزن كثيرًا".

رحل منير أبو حطب، ليس كشهيد ارتقى في غارة جوية، بل كواحد من ضحايا الجريمة الصامتة التي ترتكبها (إسرائيل) بحق المرضى والمصابين في غزة، حيث منعت عنهم العلاج وهدمت المستشفيات وحرمتهم من تلقى الدواء.

ترك "منير" خلفه زوجة مفجوعة، وعشرة ابناً وابنة، وألمًا كبيرًا في قلوب من عرفوه وأحبوه، رحل أبو حطب، بصمت، لكنه نطق في رحيله بوجع شعب كامل يحاصر بالموت من كل جانب.

وذكرت وزارة الصحة، في بيان لها، أن الوضع الانساني والصحي في قطاع غزة، وصل الى مستويات كارثية غير مسبوقة جراء استمرار حرب الابادة الجماعية وتفاقم أزمة نقص الادوية والمهام الطبية وتشديد اغلاق المعابر ومنع ادخال الامدادات الطبية والغذائية.

وذكرت الوزارة في تصريح سابق لصحيفة "فلسطين": أن النقص في الأدوية والمستهلكات الطبية بلغ مستويات غير مسبوقة، حيث وصلت نسبة نفاد المستهلكات الطبية إلى 59%، فيما بلغت نسبة الأصناف الدوائية التي نفدت تمامًا 37%.

وأضاف الوزارة: أن العجز طال كافة الخدمات الصحية، بما فيها أقسام الجراحة والعناية المركزة والطوارئ، مشيرًا إلى أن 27% من الأدوية الأساسية في أقسام الطوارئ غير متوفرة نهائيًا.

المصدر / فلسطين أون لاين