أخبار اليوم - 77 عاما مرت على تلك اللوحة التي رسمت الوطن، ألماً وتشتيتاً، ناسا وأرضا وحكاية، وحملت اسم "النكبة الفلسطينية".
وعلى مدار كل تلك السنوات، إلى اليوم، بقيت اللوحة تتكرر بأحجام وأشكال وألوان وتعابير مختلفة، عن الوطن وناسه، عن شتاته وبقاءه.
تزامنت لوحة الوطن هذا العام، 2025، في الذكرى الـ77 للنكبة، مع نكبة لا تقل فظاعة وإجراماً وعجزاً وخياماً، حيث حرب الإبادة الإسرائيلية متواصلة لليوم 586 على التوالي، استشهد فيها أكثر من 53 ألفاً، وأصيب أكبر من 120 ألفا من أبناء شعبنا، وسط عدوانٍ مستمر ومكثف على مخيمات شمال الضفة في استهداف لحق العودة وقضية اللاجئين.
ولأن الفن جزء أصيل من أشكال المقاومة، استمرت اللوحة ترسم البلاد بطولها وعرضها، أطفالها ونسائها وشبابها وشيوخها، حجرها والعلية، ووردها وشوكها والحواكير، زيتونها وبرتقالها وصبرها وعنبها والبساتين، ينابيعها وتلالها وحاراتها، البحر وإبرة الخياطة ومفتاح البيت.
في هذا العام، استدعيت 77 لوحة فنية تشكيلية، لـ77 فنانا وفنانة من كافة البقاع والشتات، من القدس وغزة والضفة والداخل ومخيمات اللجوء، لترسم حكاية عمرها 77 عاماً، ولم تنته، في معرض فني حمل عنوان: "لن نرحل.. ستبقى فلسطين للفلسطينيين"، افتتح في متحف محمود درويش، قبل أن ينتقل بعد يومين إلى مركز البيرة الثقافي في مدينة البيرة.
جسّدت تلك اللوحات محطات مركزية من النكبة، من الحياة قبل التهجير عام 1948، إلى مشاهد الاقتلاع واللجوء، مرورا بتداعيات النكبة المستمرة، ومعاناة اللاجئين، والاعتداءات المتكررة على المخيمات، والتهجير القسري المتواصل، وصولا إلى استذكار القرى المهجّرة وإحياء ذاكرتها في وجدان الأجيال، واستمرارية حلم العودة.
كما جسدت اللوحات الريف الفلسطيني ببساطته وأدواته الزراعية ومواسم القرية الفلسطينية قبل تهجيرها واقتلاع أصحابها الأصليين، الشوق للبحر والساحل الفلسطيني ومدنه وبلداته وقراه، الأسلاك الشائكة حول القدس والقرى التي اعتبرت حدودية، برتقال يافا وبحر حيفا وعكا وأم خالد، أسواق المدن ومعالمها التراثية والدينية والسياحية، والحافلات التي كانت تنطلق من فلسطين إلى العواصم العربية، وتتنقل بحرية بين كافة المدن الفلسطينية وبغداد والقاهرة وعمان والكويت وبيروت ودمشق، فيما بقي "مفتاح العودة" الأيقونة والرمز الذي جُسد في غالبية اللوحات المشاركة.
وبين رئيس رابطة الفنانين الفلسطينيين، أسامة نزال في حديث لـ"وفا"، أن الفن رسالة سامية ووطنية، نستطيع من خلالها تجاوز كافة الحدود والعوائق الجغرافية والوصول إلى كل الثقافات والمجتمعات في العالم.
وأضاف، رسالة المعرض التمسك بالهوية والثقافة الوطنية، وتجسيد الهم الوطني الجامع للكل الفلسطيني، مشدداً على أن الفنان الفلسطيني هو جزء أصيل من حالة النضال الوطني، وأن الريشة واللون هما أدوات مقاومة لا تقل أهمية عن الكلمة والموقف، مستدعياً مقولة لطالما رددها الشهيد ياسر عرفات في المحافل الثقافية: "عظمة هذه الثورة أنها ليست بندقية، فلو كانت بندقية فقط لكانت قاطعة طريق، ولكنها نظم شاعر وريشة فنان وقلم كاتب ومبضع جراح وإبرة لفتاة تخيط قميص فدائييها وزوجها".
بدورها، قالت نيفين أبو الولايا، من الجمعية الفلسطينية للفن المعاصر، ل،"وفا": أشارك اليوم بثلاث لوحات ضمن هذا المعرض، تحمل الأولى معاني الخوف لدى الأم الفلسطينية خلال النكبة فيما تحتضن طفلها الذي لا يدري ما يجري حوله، والثانية، تصور التدمير في غزة وأطفال ينامون وسط هذا الرعب المستمر وفي الزاوية فانوس يضيء شيء من العتمة ويبعث الأمل بالغد، فيما الثالثة، رسمت حافلات اللاجئين والنازحين عام 1967 وهي تغادر الوطن، وتحلم بالعودة إليه، حاملة معها أبناءه.
يُشار إلى أن المعرض الفني "لن نرحل.. ستبقى فلسطين للفلسطينيين"، يستمر لمدة خمسة أيام، ضمن سلسلة فعاليات إحياء النكبة لهذا العام. بالتعاون بين مؤسسة محمود درويش، والجمعية الفلسطينية للفن المعاصر، واللجنة العليا لإحياء ذكرى النكبة، ودائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير، ووزارة الثقافة.