غزة تأكل ما لا يُؤكل .. غذاء فاسد وحصار يقتل ببطء

mainThumb
غزة تأكل ما لا يُؤكل.. غذاء فاسد وحصار يقتل ببطء

14-05-2025 10:30 AM

printIcon

أخبار اليوم - مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتواصل إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الغذائية، يجد الأهالي أنفسهم مضطرين إلى استهلاك مواد غذائية منتهية الصلاحية، أو مخزّنة في ظروف غير صحية، ما يشكل تهديدًا مباشرًا على صحتهم، لا يقل خطورة عن القصف اليومي.

في مخزن معتم وصغير وضعت هديل اسليم كيس من الدقيق أمامها، على ضوء "ليد" خافت أخذت تغربل الدقيق أكثر من مرة لتتخلص من السوس، والديدان التي تملأ الكيس.

وبعد أن انتهت من غربلة الدقيق مرتين قامت اسليم بوضعه في صينية كبيرة، ومن ثم وضعته أمام باب المخزن تحت أشعة الشمس من أجل تعقيمه بحرارتها العالية.

تقول اسليم وهي أم لثلاثة أطفال، لصحيفة "فلسطين": "رائحة الدقيق فظيعة لا تطاق، ولكني مضطرة إلى استخدامه فلا بديل أمامي لسد جوع أطفالي، أصنع من مناقيش الزعتر، والدقة، والجبن النباتي المعلب، حتى يغطي على طعمه".

أما ياسر العجل من حي الزيتون جنوبي مدينة غزة، يقول: "هناك نقص حاد في الدقيق، تمكنت من الحصول على القليل منه لكنه فاسد وغير صالح للأكل، نحن تسعة أشخاص في المنزل، وأضطر إلى غربلة الدقيق مرتين لجعله صالحًا للاستخدام إلى حد ما، أحد أطفالي لديه احتياجات غذائية خاصة، لكنه لا يستطيع تناول الطعام؛ لأن الدقيق فاسد ومليء بالديدان".

ويتابع العجل لصحيفة "فلسطين": "حينما يأكل أطفالي الخبز أشعر بتأنيب الضمير لأنني أطعمه دقيق فاسد سيجلب لهم الأمراض في الوقت الحاضر، أو على المدى البعيد، أشعر أنني أقدم لهم سم على أنه خبز، ولكن الجوع أقسى من كل ذلك".

أما عائشة أبو راس وهي أم ثلاثة أطفال، بعد أن اشترت كيسا من الحليب المجفف تفاجئت بأنه منتهي الصلاحية، ولكنها مضطرة إلى تناوله لأنها اشترته بسعر مرتفع للغاية، ومعظم الحليب المتوفر منتهي الصلاحية، كالعديد من الأغذية والمعلبات.

تقول أبو راس لصحيفة "فلسطين": "ناكل الدقيق الفاسد، والأغذية منتهية الصلاحية وكلها لا تصلح للاستخدام الآدمي، أو حتى للحيوانات، ولكننا مضطرون في ظل انعدام الخضار، والفواكه الطازجة، والأسماك، واللحوم".

تعقيم بالشمس والنار

تقول اختصاصية التغذية أمل بهجة:" تناول الدقيق العفن والأغذية منتهية الصلاحية، لها آثار جانبية اذا تم أكلها بكميات كبيرة لأنها تحتوي على بكتيريا وفطريات سامة".

وتبين بهجة لصحيفة "فلسطين" أن الدقيق غير الصالح للاكل له مواصفات كتغير لونه، ورائحته، وشكله، ويحتوي على سموم تفرزها فطريات أو بكتيريا أفلاتوكسون والتي تسبب على المدى البعيد سرطانات في الجسم.

ويمكن التقليل من مخاطر الدقيق العفن، حيث تنصح بهجة باتباع عدة خطوات كغربلته أكثر من مرة، ومن ثم تعريضه للشمس، أو تعريضه لدرجة حرارة عالية ولمدة طويلة للقضاء على البكتيريا، والفطريات.

وتنصح بوضع القليل من الاعشاب المتوفرة في غزة على الدقيق العفن عند عجنه كعشبة القسطل الهندي، وإكليل الجبل، لما تحتويه من مواد مضادة للبكتيريا، والفطريات، أو يمكن إضافة عصير ليمون، أو خل، للقضاء على نسبة كبيرة من البكتيريا والفطريات.

فضلات الفئران

أما بخصوص الدقيق الذي يحتوي على بقايا وفضلات الفئران والجرذان، فقد نصحت بالتخلص منه بالكامل، لأن هذه الكائنات تُعَدّ "مستودعًا للأمراض". أما في حال تم قضم الكيس من قِبَل الفئران أو الجرذان دون وجود فضلات، فتنصح بالتخلص من الكمية القريبة من موضع القضم، واستخدام باقي كمية الدقيق.

وفيما يتعلق بالمعلبات، والأغذية منتهية الصلاحية، توضح بهجة أن الحليب المجفف منتهي الصلاحية يمكن استخدامه في ظل انعدام البدائل في غزة، ولكن وفق شروط ألا يكون الكيس قد تم تفريغ الهواء منه، أو طرأ على لونه، ورائحته، أو شكله تغير، والحليب الفاسد لا يذوب اطلاقا بالماء.

أما طعام الأطفال المعلب في علب زجاجية، تبين أنه إذا كان الغطاء لا يزال محكم الإغلاق ولم يدخل إليه الهواء، فيُعد آمناً ويمكن استهلاكه. وينطبق الأمر ذاته على المعلبات المعدنية؛ فإذا كانت العلبة منتفخة، فهذا يدل على تحلل الطعام بداخلها ويجب التخلص منها فوراً.

وتدعو بهجة الغزيين إلى الاهتمام بتناول الاعشاب كغلي أوراق الزيتون وشربها، لتخليص الجسم من أي سموم بداخله، مع شرب كميات كبيرة من الماء النقي.

وتنصح بالتوجه إلى تناول الفواكه والخضار، حال توفرت بكميات كبيرة وبأسعار مناسبة، والتوقف تماما عن تناول الأغذية المعلبة، لتنظيف الجسم من السموم، ولو لثلاثة أيام متواصلة على الأقل.

أطعمة مطبوخة

بدوره أستاذ علم الميكروبات في الجامعة الإسلامية بغزة، والباحث متخصص في مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية البروفيسور عبد الرؤوف المناعمة، يقول في معرض رده على سؤال عما إذا كان هناك ضرر من تناول الدقيق الذي يحتوي على براز الجرذان أو الفئران؟".

" إذا لم يكن هناك خيار آخر سوى استخدام هذا الدقيق (مثل الوضع في قطاع غزة)، يمكنك فعل بعض الأمور لتقليل المخاطر قدر الإمكان، مع التأكيد أنه لن يكون خاليًا من الخطر تمامًا".

يتابع: "تنقية الدقيق غربله جيدًا جدًا باستخدام منخل ناعم لإزالة أي شوائب أو بقايا مرئية، الطبخ الجيد استخدم الدقيق فقط في وصفات تتطلب طهيًا أو خبزًا كاملاً (فوق 70–80 مئوية لمدة كافية)، مثل الخبز أو الكعك".

وينصح المناعمة بعدم استخدام الدقيق في أطعمة غير مطبوخة مثل عجينة نيئة أو معجنات غير مخبوزة، مشددا على مراقبة أي أعراض بعد تناول الطعام (مثل إسهال، قيء، حمى).

وينبه الى أن السموم التي تفرزها الفطريات أو بعض البكتيريا (مثل أفلاتوكسين أو سموم عصوية) قد لا تتلف بالحرارة، لذلك يبقى هناك خطر محتمل دائم حتى مع الاحتياطات.

في غزة، لم يعد السؤال: "هل الطعام صحي؟" بل: "هل يوجد طعام أصلًا؟"

وتبقى مسؤولية المجتمع الدولي قائمة لإيجاد ممرات آمنة لإدخال الغذاء والدواء، فصمت العالم لا يُشبع جائعًا، ولا ينقذ طفلاً يحتضر من حليب مسمم..

المصدر / فلسطين أون لاين