التهمتها نيران حرب الإبادة .. حكاية عائلة أبو دان

mainThumb
التهمتها نيران حرب الإبادة... حكاية عائلة أبو دان

18-06-2025 10:18 AM

printIcon

أخبار اليوم - في 23 أكتوبر 2023، وبينما كانت مدينة دير البلح تغطّ في ليلٍ حذرٍ، اجتمعت عائلة أبو دان في منزل بسيط لجأوا إليه كمحاولة للنجاة من نيران حرب الإبادة التي لم تبقِ ولم تذر. لم يكن أحد منهم يعلم أن تلك الليلة ستكون الأخيرة في حياة معظمهم.

ففي تمام الساعة الثانية فجراً، دكّت طائرات الاحتلال الإسرائيلي المنزل بصواريخها دون سابق إنذار، لتحيله إلى ركام، ولتطوي معه فصلاً كاملاً من حياة عائلة بكاملها.

استشهد في القصف محمود أبو دان، ووالدته، وزوجتاه، وأطفال آخرون، ونجا من المجزرة شقيقه ماجد، الذي حمل على عاتقه منذ تلك اللحظة عبء العائلة المتبقية، وخاصة أبناء محمود الأربعة: سجى، وسما، ومحمد، ومجاهد.

يقول ماجد لصحيفة "فلسطين": "كانوا يحاولون إضفاء جو من الحياة، بعض الضحك، بعض الطمأنينة وسط القصف.. لكن الطائرة قطعت عليهم كل شيء، لقد ترك بيته في غزة وكل شيء خلفه، هرب من الموت فاصطاده الموت في مدينة دير البلح، استشهد أخي وترك لي أطفاله، خصوصًا سجى، التي لا تستطيع الحياة دون والديها".

سجى، الشابة ذات الـ19 عامًا، تعاني من ضمور عقلي منذ الولادة، وكانت تحت رعاية كاملة من والديها، لم تكن تعرف طريق الجمعيات أو المؤسسات الخيرية، فقد كان والدها يوفّر لها كل ما تحتاجه من دواء، وطعام خاص، ويتولى ووالدته رعايتها والاعتناء بها.

لكن بعد أن سرقت الحرب منها والديها، تغيّر كل شيء، سجى الآن تعاني من انهيار صحي، وتدهور نفسي واضح، ترتدي الحفاضات، ومناعتها تضعف يومًا بعد الآخر، فتعاني من نزلات برد متكررة تؤثر على أذنيها، كانت تجري عمليات دورية لزراعة أنابيب لتخفيف الألم، لكنها اليوم محرومة حتى من مراجعة الطبيب.

أما شقيقها مجاهد، فكان يعاني من سرطان الدم، وازدادت حالته سوءًا بعد القصف، قبل أن يُنقل للعلاج في الأردن، نجاته كانت أقرب إلى المعجزة، لكنها جاءت بثمنٍ فادح، إذ ترك أهله تحت التراب، كما أنه أصيب في القصف الإسرائيلي.

يضيف ماجد: "كان مجاهد يعاني من وضع صحي ونفسي سيء بفعل اصابته بمرض سرطان الدم وجاء فقد والديه واصابته في قدمه ليزيد من وضعه سوء قبل أن يحظى بتحويلة طبية للعلاج في الخارج".

أما محمد، ذو الأحد عشر عامًا، أصيب في القصف وتم تركيب بلاتين في قدمه. لكن ألمه الأكبر لا يظهر على الأشعة، بل يسكن قلبه الصغير.

يتابع ماجد حديثه: "في العيد، بكى محمد بحرقة، جعلنا جميعاً نبكي معه، قال لأبنائي: ليش أنتوا أبوكم عايش وأنا أبويا استشهد؟ ليش أنا بلبس من تبرعات؟ ألبس ملابس جديدة ولكن لم يختارها والدي كما فعل والدكم معكم".

رغم مرور أكثر من عام ونصف على رحيلهم إلا أنه حتى اليوم يشكو من أوجاع الفقد وعدم تقبل للحياة بدون والديه.

بينما الطفلة سما، التي لم تتجاوز السادسة، فقد كانت في الرابعة من عمرها عند استشهاد والديها، تعايشت مع الحزن سريعًا، لكن ذاكرتها تخونها في التفاصيل الصغيرة. تقول لماجد ذات مرة وهو يحملها: "بابا كان يحملني زي هيك على كتفه عندما يصطحبني معه على البحر"، ثم تصمت.

إنها قصة فقد جماعي، عائلة تمزقت فجأة فقدت 21 شهيدًا عدا عن المصابين، وأبناء يُعيدون تركيب ذكرياتهم على ركام منزل، فقصة محمود أبو دان ليست عن وجع قصفٍ فقط، بل يعانون من وجع ممتد، لا يُشفى، عن أطفال خُطف منهم الأمان وحنان الوالدين، عن قلب أبٍ لم ينجُ، لكنه أبقى روحه في أبنائه.

أما ماجد، الذي يتحمّل اليوم مسؤولية هؤلاء الأبرياء، لا يملك إلا أن يقول: "لم أعد أخاً فقط.. أصبحت أباً، وعماً، وبيتًا كاملًا"، والوجع.. لا يزال حيًا.

 فلسطين أون لاين