شاب غزّي يُنشئ فقّاسة دواجن بدائية وسط دمار القطاع

mainThumb
شاب غزّي يُنشئ فقّاسة دواجن بدائية وسط دمار القطاع

26-06-2025 11:26 AM

printIcon

أخبار اليوم - على الرغم من الظلام الممتدّ على قطاع غزة منذ عشرين شهرًا بفعل حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية، لا تزال مبادرات فردية تنبض بالحياة وتقاوم الانهيار التام. إحدى هذه المبادرات يقودها الشاب الغزّي أحمد عابد، من شمال القطاع، النازح حاليًا في مدينة غزة.

أحمد الثلاثيني، الذي عشق تربية الدواجن منذ صغره وامتهنها لاحقًا، أنشأ فقّاسة دواجن بدائية منزلية باستخدام أدوات بسيطة، في وقت انهار هذا القطاع كليًا نتيجة الاستهداف الممنهج للزراعة والثروة الحيوانية.

فقّاسة بدائية

في أحد أحياء جنوب غزة، حيث لم يتبقَّ من المزارع سوى الأطلال وأكوام الركام، يجلس أحمد قرب فقّاسة من صنع يديه؛ هيكل بسيط مكوَّن من صناديق فوم كانت تُستخدم لتخزين الخبز والثلج، إلى جانب ألواح خشبية، وداخلها بيض مخصب موضوع على بعض القش، في محاولة لإنقاذ ما تبقّى من سلالة الدواجن في غزة.

يقول أحمد لـ "فلسطين أون لاين": "لم أعد أحتمل مشهد الأسواق الخاوية من الصيصان، والمزارعين الذين لا يملكون شيئًا لبدء دورة إنتاج جديدة. بدأتُ بصناعة هذه الفقّاسة من أدوات منزلية بسيطة، واضطررتُ لتصميم نظام تدوير يدوي للبيض حتى أحاكي عمل الفقاسات الحقيقية".

ويتابع بحماسة: "بعد 21 يومًا، خرجت أول دفعة من الصيصان. شعرت أنني أُحيي الحياة من تحت الرماد. كانت لحظة مؤثرة وسط هذا الدمار".

وتابع: "كل صوص يخرج من فقّاستي هو بذرة أمل جديدة. نحتاج فقط إلى الدعم بأبسط الأدوات. لا نطلب معجزات، فقط أن يرفعوا أيديهم عنّا".

واقع صعب

رغم رمزية المبادرة، فإنها تسلّط الضوء على الواقع الكارثي الذي يعيشه القطاع الزراعي والدواجن في غزة، والذي دخل مرحلة الانهيار الكامل، وفق ما تؤكده تقارير دولية وأممية.

فبحسب تقارير صادرة عن منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، وبرنامج الأمم المتحدة للأقمار الصناعية (UNOSAT) حتى إبريل 2025 فإن أكثر من 80% من الأراضي الزراعية المنتجة تضررت أو تُركت دون زراعة، و77.8% من الأراضي أصبحت غير قابلة للزراعة، و71.2% من البيوت الزجاجية دُمّرت أو تضررت، و82.8% من آبار الري خرجت عن الخدمة.

خسارة شبه تامة

يكشف الخبير الزراعي محمد أبو عودة لـ"فلسطين أون لاين" أن حجم الخسائر في قطاع الدواجن تحديدًا، قائلًا: "خسرنا ما لا يقل عن 90% من إنتاج الدواجن. كانت لدينا مئات آلاف الرؤوس، واليوم بالكاد تبقّى بعضها. معظم الفقاسات دُمّرت، الأعلاف مفقودة، ولا كهرباء أو وقود لتشغيل المعدات".

ويشير إلى أن سعر الأعلاف ارتفع بشكل كبير بسبب الحصار ومنع إدخال المواد الخام، مضيفًا: "الاحتلال يستخدم الزراعة كسلاح: يمنع إدخال الأعلاف، الكتاكيت، الأدوية، وحتى البيض المخصب. هذا أدى إلى كارثة اقتصادية وغذائية".

ويؤكد أن هذه الخسائر تنعكس مباشرة على الأمن الغذائي في غزة، إذ يعيش نحو 1.95 مليون فلسطيني (93% من السكان) في حالة انعدام أمن غذائي حاد، بينهم 244 ألفًا في المرحلة الخامسة (كارثة)، بحسب تقرير شبكة تحليل انعدام الأمن الغذائي العالمي (IPC) الصادر في مايو 2025.

كما حذّرت منظمة يونيسف من تفاقم سوء التغذية لدى الأطفال، معلنةً عن علاج أكثر من 11 ألف طفل من سوء التغذية الحاد منذ بداية العام.

حاجة إلى تدخل عاجل

يرى أبو عودة أن مبادرة أحمد تحمل دلالات مهمة، لكنها لا تعوّض الكارثة الشاملة: "فقّاسة بدائية لا تعني أننا تعافينا. نحتاج إلى فتح المعابر فورًا، وإدخال المعدات والأعلاف وقطع الغيار. استمرار الحرب والحصار يعني أن انهيار قطاع الدواجن سيطول، وستفقد غزة قدرتها على إنتاج البروتين المحلي".

ويشدد على ضرورة الضغط الدولي لإدخال المستلزمات الزراعية، وإطلاق برنامج دعم زراعي عاجل بإشراف أممي لتوزيع الأعلاف والأدوية ومواد البناء الزراعي، وتمويل مشاريع فقاسات صغيرة مدعومة من منظمات إنسانية، بالإضافة إلى تعويض المزارعين المتضررين.

في غزة، حيث تختلط رائحة التراب المحترق بأزيز الطائرات، يخرج صوت حياة من فقّاسة بدائية صنعها شاب بعزيمته، في مشهد يعكس قدرة الإنسان على مواجهة آلة الإبادة.

قد لا تكون فقّاسة أحمد الحل، لكنها بالتأكيد صرخة مقاومة تقول: "نحن هنا.. نُحيي الحياة من الرماد، ونزرع الأمل في كل بيضة".

 فلسطين أون لاين