أخبار اليوم - في صباح 18 يونيو 2025، لم يكن الطفل إيهاب مؤمن وشاح، ابن الأحد عشر عامًا، يعلم أن لحظات جلوسه قرب أنقاض منزله المدمر في مخيم البريج وسط قطاع غزة، ستكون بداية رحلة طويلة من الألم والمعاناة، بعد أن حوّلته طائرة استطلاع إسرائيلية إلى رقم جديد في قوائم الجرحى ذوي الحالات الحرجة.
كان إيهاب يجلس إلى جوار عمه، يتأملان ما تبقى من منزل العائلة المكوّن من ستة طوابق، وقد تحول إلى ركام بفعل القصف قبل أيام. فجأة، سقط صاروخ استطلاع بجانبهما دون سابق إنذار. لم يستشهد إيهاب، لكن الشظايا كانت أقسى من أن يتحملها جسد طفل في عمر الزهور.
اخترقت إحدى الشظايا صدر إيهاب، واستقرت في الرئة اليسرى، ثم مزّقت جدار القلب مسببة نزيفًا حادًا. نُقل على الفور إلى المستشفى، حيث خضع لعملية جراحية عاجلة، استُؤصل خلالها جزء من الرئة لإنقاذ حياته.
تقول والدته بصوت مخنوق لصحيفة "فلسطين": "بعد أيام، أصيبت رئته الثانية ببكتيريا حادة... توقفت عن العمل، وبدأ جسمه يختنق بسبب تجلّط الدم... الآن يعيش على جهاز تنفس صناعي... الطبيب قال لي: إحنا نعيش معه لحظة بلحظة".
منذ 14 يومًا، لم يعد إيهاب قادرًا على التنفس بشكل طبيعي، يعيش مرتبطًا بأجهزة التنفس الاصطناعي. ولمعالجة الخطر المتزايد على أحباله الصوتية، اضطر الأطباء إلى إدخال قصبة هوائية خاصة بقياس 5.5، لتقليل التلف في جهازه التنفسي.
ورغم كل ذلك، يبقى إيهاب، في عيون والدته، ذلك الطفل الذي "يحب اللعب بالصلصال، والقص بالمقص، وصناعة الأشكال من الفوم". تقول: "كنت أحاول أن أغرس فيه صفات الرجولة، لكنه كان دائمًا يقول لي: ماما أنا لسه طفل... وبحب ألعب".
تصمت لثوانٍ، ثم تتابع: "حاليًا... مش مستجيب لا للعلاج ولا للمضادات... إحنا بنعد الأيام والدقائق لعلّه يتجاوز مرحلة الخطر وتستقر حالته".
أما والده، فلا يزال يذكر المشهد القاسي حين وصل إلى موقع القصف: "رأيت إيهاب وشقيقي ملقَيَين على الأرض... ما قدرت أتحمّل المشهد... إيهاب هو ابني الوحيد بين الذكور... عمري ما تخيّلت أشوفه بهالحالة".
اليوم، يرقد إيهاب في سرير المستشفى، جسده الصغير متصل بالأجهزة، لا يقوى على الحركة، وعيناه تتنقلان بين الأجهزة وبين نظرات والدته، التي لا تفارقه، تمسك يده مرة، وتدعو له مرة أخرى، منتظرة معجزة تبقيه على قيد الحياة.
تقول والدته وهي تغالب دموعها: "كل يوم بشوفه أضعف... بس عندي أمل... إيهاب قوي... هو اللي علّمني الصبر".
فبعد أن فقدت العائلة منزلها المكوّن من ستة طوابق، والذي سوّي بالأرض خلال القصف، لم تكن تعلم أن الفاجعة الكبرى لم تكن فقدان البيت، بل أن القصف سيلاحقها مجددًا ليأخذ منها أمانها، وصحة قلب طفلها الصغير، إيهاب.
فلسطين أون لاين