ابتسامة في الكفن .. عمر رحل قبل أن تفرح به أمه

mainThumb
ابتسامة في الكفن.. عمر رحل قبل أن تفرح به أمه

08-07-2025 09:52 AM

printIcon

أخبار اليوم - في واحدة من أكثر اللحظات قسوة على قلب أم، وقفت تنظر إلى جسد ابنها عمر المسجّى في سرير العناية المركزة، تتشبّث بنبضٍ ضعيف، تراقب شاشة الأجهزة وكأنها تناديه: "ارجعلي يا يمّا، لا تروح".

عمر عبد الحكيم أبو قاسم، شاب في مقتبل العمر، لم يكن يحمل سلاحًا، بل حمل طموحات شابٍ أراد أن يبدأ مستقبله وسط حياة مستقرة وكرامةٍ يستحقها. من سكان مدينة دير البلح، كان الابن البار لعائلته، الساعد الأيمن لوالده، والمعين الدائم لأمه.

في الأسبوع الأخير من شهر يونيو 2025، استهدفت طائرة استطلاع مجموعة من المواطنين قرب منطقة دير البلح، وكان عمر بينهم. أصيب بشظايا قاتلة في الرأس والرقبة، بينما كان يحاول تأمين كيس طحين لعائلته. سقط على الأرض غارقًا بدمه، ومكث في العناية المركزة أربعة أيام، كانت كل دقيقة منها معركة بين الأمل والانهيار.

استُشهد عمر بعد أربعة أيام من الألم، ليترك خلفه أمًا لا تنام، وبيتًا فارغًا من ضحكته، وشهادة جامعية لم تُعلّق على الحائط، بل طُويت مع بقية أحلامه.


تقول والدته، انتصار أبو قاسم، لـ "فلسطين أون لاين" بحزن: "كنت أمسك يده كل يوم وأدعوه أن يعود إلينا. كنت أحدثه وكأنه يسمعني، لكن الشظايا كانت أسرع من دعائنا، وأقسى من صبرنا".

ورغم محاولات الأطباء وجهودهم المستميتة، استُشهد عمر في اليوم الرابع، تاركًا وجعًا لا يندمل، وصدمة في قلب عائلته.

تتابع والدته بصوت مكسور: "كان عمر كل حياتي. إنسان طيب وحنون، إذا دخل البيت أنار المكان. ما طلبت منه شيئًا إلا ولبّى، واليوم... غاب وجهه، بس روحه في قلبي".

لم يكن عمر متزوجًا، لكنه كان يحلم ببناء بيت صغير له، وتأسيس مشروع بسيط ليعيش حياة كريمة بعيدًا عن الحاجة. كان يساعد أطفال الحي، ويُعطي من مصروفه القليل لمن يحتاج.

وتتحدث خالته تهاني عنه قائلة: "كان دائم الابتسامة، سريع المبادرة لفعل الخير. كان يحلم أن يسافر ليرى العالم ويكمل دراسته."

وتكمل: "لم يكن بارًا فقط بعائلته، بل أيضًا بأعمامه وأخواله وخالاته. كنت ألجأ إليه حين ينتهي راتبي، فيدبّر لي المال رغم أنه لم يكن يعمل."


"كنا نحكي عن بكرا، عن حياتنا بعد الحرب، عن الأمل... بس الحرب خطفته من بينا. لم يكن يعلم أن هذا المشوار القصير سيكون طريقه إلى الشهادة، وأنه سيغادر الحياة قبل أن يحقق أبسط أحلامه: أن تفرح به أمه، وتخطب له عروسًا."

عُمر، الشاب الخلوق، البار بوالديه، الحاصل على بكالوريوس في التجارة باللغة الإنجليزية، عرفه أهله وجيرانه شجاعًا، صبورًا، لا يحب الاتكال، ويؤمن بأن الكرامة لا تُباع ولو بثمن الجوع.

تسرد خالته: "كان يقول لوالدته: يا أمي، والله ما بتهنالي لقمة إذا إنتِ جعانة."

ويصف زوج خالته، محمد أبو حسنين، لحظة تغسيله وتكفينه: "تبسّم وجه عمر، لدرجة أن الشباب الذين كانوا معه خرجوا مكبّرين."

رحل عمر مبكرًا جدًا... في عزّ شبابه، قبل أن تتحقق أحلامه، وقبل أن ترى والدته الفرحة التي انتظرتها سنين.

فلسطين أون لاين



news image